التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ هِيَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ.

وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ نَفْيُ الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْقِسْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ وَصَرْفِ الطُّرُقِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ أَنْ يُشْكِلَ أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ؟ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَمَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بِهَا، وَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَمَا مَعْنَى بِنَاءِ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ هَاهُنَا عَلَى مَا هُوَ الْمُزَيَّفُ هُنَاكَ ثُمَّ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّفْيَ يَقْتَضِي سَبْقَ الثُّبُوتِ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْقُولَاتِ مِنْ أَنَّ السَّلْبَ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُتَضَادَّيْنِ يَفْتَرِقَانِ أَبَدًا مَعَ تَقَدُّمِ الْمُثْبَتِ عَلَى الْمَنْفِيِّ مَمْنُوعٌ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] وقَوْله تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَنَحْوَ ذَلِكَ كَيْفَ تَقَدَّمَ الْمَنْفِيُّ هُنَاكَ عَلَى الْمُثْبَتِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلٌ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ فِي الشُّفْعَةِ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَيْثُ يَبْقَى فِيهَا الشُّيُوعُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَيْثُ يَبْقَى فِيهَا مِلْكُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَعْضِ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ زَالَ الشُّيُوعُ، بَلْ هَذَا الْبَقَاءُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَمَعَ عَدَمِ بَقَائِهِ بَاعَ فَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ، فَكَوْنُ بَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلًا لَا يُرَجِّحُ تَقْدِيمَ الشُّفْعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ إنَّ الْقِسْمَةَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ وَالْأُسْوَةِ لِلِائْتِسَاءِ وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَمْعُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ

وَسَبَبُهَا طَلَبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الِانْتِفَاعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُلُوصِ وَرُكْنُهَا

الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَالْعَدِّ فِي الْمَعْدُودَاتِ وَشَرْطُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ الْحَائِطُ وَالْحَمَّامُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ. وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا، كَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015