وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ. .
قَالَ (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرُّجُوعِ وَالْهِبَةِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ وَبَاعَ دَارِهِ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةُ أَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمُخَاصِمِ لَا تُوَرَّثُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الثَّالِثَةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لَهُ. ثُمَّ قَوْلُهُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQزَعَمَهُ، وَالْهِبَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْوَاهِبِ الْمُكَافَأَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ بِصُورَةِ الْهِبَةِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدَارُ ذَلِكَ عَلَى مُجَرَّدِ كَوْنِ غَرَضِ الْوَاهِبِ الْمُكَافَأَةُ لَا يَسْتَقِيمُ أَصْلًا، فَإِنَّ كَوْنَ غَرَضِهِ الْمُكَافَأَةُ لَا يُنَافِي رَغْبَتَهُ عَنْ مِلْكِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ غَرَضَ الْبَائِعِ أَيْضًا الْمُكَافَأَةُ بِالثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي رَغْبَتَهُ عَنْ الْمَبِيعِ بَلْ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرُوا وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ الْمَوْهُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَدْفَعُ النَّقْضَ بِالْهِبَةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا.
كَمَا إذَا وَهَبَ لِقَرِيبِهِ الْمَحْرَمِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ وَأَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ، إذْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمَانِعُ عَنْ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُ الْوَاهِبِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْ الْمَوْهُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا فَبَقِيَ النَّقْضُ بِهَا
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي طَلَبَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُنْكِرْهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى ذَلِكَ، فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْكِرْ الْخَصْمُ طَلَبَهُ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلِمَاتِهِمْ بُطْلَانُهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ مُطْلَقًا.
فَإِنْ قُلْتَ: وَقْتُ الْإِشْهَادِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ، فَفِي وَقْتِ الْإِشْهَادِ إنْكَارُ الْخَصْمِ طَلَبَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ إيَّاهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُعْلِمْ رَغْبَتَهُ فِيهِ، بَلْ يُحْتَمَلُ إعْرَاضُهُ عَنْهُ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ مُطْلَقًا. قُلْتُ: هَذَا مُشِيرٌ إلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا هَاهُنَا كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ
(قَوْلُهُ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا قُصُورٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ عَطْفٌ عَلَى (سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي) وَقَدْ وَقَعَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي حَيِّزِ الْأَخْذِ فَكَانَ الْأَخْذُ مُعْتَبَرًا فِي التَّسْلِيمِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْضًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَطْفِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَجِبُ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ قَبْلَ أَخْذِهِ الدَّارَ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ: فَإِنَّهُ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِحُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الدَّارَ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ: أَيْ تُمْلَكُ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ. أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي قَوْلُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَطْفٌ عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَخْذِهِ انْتَهَى. وَكَانَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ غَافِلٌ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَيْ التَّمَلُّكُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَخْذِ، إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ