وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْمَالِ اعْتِبَارًا بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاتِّصَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إنَّمَا انْتَصَبَ سَبَبًا فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ، إذْ هُوَ مَادَّةُ الْمَضَارِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَقَطْعُ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِتَمَلُّكِ الْأَصْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْسُومُ لَا الْجَارُ نَفْسُهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ.
فَعَامَّةُ الشُّرَّاحِ خَرَجُوا فِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَقَدْ أَصَابَ فِي تَفْسِيرِ الْفَرْعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَهُوَ الْمَقْسُومُ، وَلَمْ يُصِبْ فِي تَفْسِيرِ هَذَا حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَيْ الْجَارُ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَاقَ بَشَاعَةَ هَذَا التَّفْسِيرِ قَالَ بَعْدَهُ: يَعْنِي شُفْعَةَ الْجَارِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَيْضًا بِأَنَّ شُفْعَةَ الْجَارِ فِي مَعْنَى نَفْسِ مَا لَمْ يُقْسَمْ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِ مَعْنَاهُ أَيْضًا فَيَصِيرُ الْمَعْنَى لَيْسَ فِي مَعْنَى شُفْعَتِهِ: أَيْ شُفْعَةِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَمَحُّلٌ بَعْدَ تَمَحُّلٍ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا فَالْحَقُّ مَا قُلْته لِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: ذِكْرُ التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَنْقُولِ وَالسُّكْنَى بِالْعَارِيَّةِ، وَذِكْرُ الْقَرَارِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ إذْ النَّقْضُ وَاجِبٌ دَفْعًا لِلْفَسَادِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَرَدَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَالسُّكْنَى بِالْعَارِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مِلْكٌ حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهُ اهـ. أَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ مِنْ حَيْثُ الرُّقْبَةُ فَلَهُ مِلْكٌ مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِلَا عِوَضٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ مُتَنَاوِلًا الدَّارَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَارِيَّةِ أَيْضًا فَحَصَلَ بِقَوْلِهِ اتِّصَالُ تَأْبِيدٍ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ اعْتِبَارًا بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قَوْلُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ وَالْمَجْعُولَةِ رَهْنًا اهـ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَالْمَجْعُولَةِ مَهْرًا اهـ.
وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فَتَحَقَّقَ لَهُ فِيهَا نَوْعُ مِلْكٍ كَمَا فِي الْمُسْتَعِيرِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا، إلَّا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ خَرَجَا بِقَوْلِهِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ فِيمَا قَبْلُ فَمَا مَعْنَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِجَارَةِ مَرَّةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ هَاهُنَا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ: وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الرَّقَبَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ، فَقَدْ خَرَجَ بِالْمِلْكِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبْلُ قَطْعًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَيْدِ التَّأْبِيدِ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا أَصْلًا.
وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مِثْلِ الدَّارِ الْمَوْرُوثَةِ وَالْمَوْهُوبَةِ وَالْمُوصَى بِهَا وَالْمَجْعُولَةِ مَهْرًا، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ وَالتَّأْبِيدُ وَالْقَرَارُ، لَكِنْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ الْمَالِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى، فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي خُطَّةِ آبَائِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ