رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَثْنَى مَثْنَى، وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا مَثْنَى مَثْنَى، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَامَ نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ فَصَلَّى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا وَفِي رِوَايَةٍ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا بَدَلَ وَاجْعَلْ لِي» ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْإِيتَارِ بِوَاحِدَةٍ مَضْمُومَةٍ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ.
وَمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ «سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِكَمْ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثٍ وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ» فَرِوَايَةُ عَائِشَةَ الْأُولَى تَتَرَجَّحُ عَلَيْهِمَا تَرْجِيحًا لِلرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَلَى الثَّابِتَةِ عَنْهَا فِي أَبِي دَاوُد بِمُفْرَدِهِ وَعَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِتَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ وَمِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، وَغَايَةُ مَا حَكَاهُ هُوَ مَا شَاهَدَهُ فِي لَيْلَةٍ فَاذَّةٍ، وَهِيَ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي عُمُومِ لَيَالِيِهِ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: «سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا ثَمَانٌ وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ» ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَكَأَنَّهُ حَكَى فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مَا شَاهَدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِوَاسِطَةِ أَزْوَاجِهِ مَا اسْتَقَرَّ حَالُهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ بِمَا عَلِمَهُ مُتَقَرِّرًا.
وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ الْجُمْلَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ انْتَهَى. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ غَلَطٌ.
وَأَمَّا مَا عَيَّنَهُ فِي أَقَلِّهِ فَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورُ آنِفًا يُعَارِضُهُ حَيْثُ قَالَتْ «وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ» وَمَا ذَكَرَهُ نَقَلَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ أَرْجَحُ، وَإِلَّا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ.
ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّ كُلًّا مِنْ السَّبْعِ وَمَا بَعْدَهُ إذَا أَتَى بِهِ يَقَعُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ أَوْ الْمَنْدُوبِ الْمُوَافِقِ لِطَرِيقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ تَبَيَّنَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ تَوَقُّفُ كَوْنِ الْمُتَهَجِّدِ آتِيًا بِالسُّنَّةِ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ» فَهَذَا يَقْتَضِي تَوَقُّفَهَا عَلَى عَشْرٍ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُرَجَّحُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَهَا عَلَى ثَمَانٍ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، إلَّا أَنَّ اقْتِضَاءَهُ تَوَقُّفَ فِعْلِ السُّنَّةِ عَلَى الثَّمَانِ لِمَنْ لَمْ يُسِنَّ، أَمَّا مَنْ كَبِرَ وَأَسَنَّ فَمُقْتَضَى الْآخَرِ حُصُولُ سُنَّةِ الْقِيَامِ لَهُ بِأَرْبَعٍ.
بَقِيَ بِأَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي حَقِّنَا السُّنِّيَّةُ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَتِهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي حَقِّهِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّنَا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ فِيهَا إنَّمَا تُفِيدُ النَّدْبَ، وَالْمُوَاظَبَةُ الْفِعْلِيَّةُ لَيْسَتْ عَلَى تَطَوُّعٍ لِتَكُونَ سُنَّةً فِي حَقِّنَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَسُنَّةٌ لَنَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] الْآيَةَ