وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQذِكْرِ الْجِنْسِ مُنَاسِبًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَغْصُوبَ مَا دَامَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَةِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، فَذَكَر أَحَدَ الْمُتَجَانِسَيْنِ مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ.

أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كَوْنَ الْغَصْبِ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا إنَّمَا يُفِيدُ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ جِنْسِ التِّجَارَةِ لَا بَيْنَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ نَفْسَهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ قَطُّ بَلْ هُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ، وَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مَسَائِلُ نَفْسِ الْإِذْنِ لَا مَسَائِلُ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَالثَّانِي أَنَّ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ النَّوْعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ أَيْضًا فَيَنْتَقِضُ ذَاكَ الْوَجْهُ بِهَا طَرْدًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَوْعِ عِنَايَةٍ: أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يُقَالُ: إنَّ الْإِذْنَ نَفْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجِنْسِ التِّجَارَةِ وَمَخْصُوصٌ بِهِ فَكَانَ لِلْغَصْبِ مُنَاسَبَةٌ لِلْإِذْنِ نَفْسِهِ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِهِ بِجِنْسِ التِّجَارَةِ.

وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَبِأَنْ يَدَّعِيَ عَدَمَ لُزُومِ الِاطِّرَادِ فِي وُجُوهِ الْمُنَاسِبَاتِ بَيْنَ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ. وَيُقَالُ: إنَّ هَاتِيك الْوُجُوهِ مُصَحِّحَاتٌ لَا مُرَجِّحَاتٌ أَلْبَتَّةَ فَلَا ضَيْرَ فِي تَحَقُّقِهَا فِي غَيْرِ مَا سَبَقَتْ لَهُ أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْغَاصِبَ يَتَصَرَّفُ لَا بِإِذْنٍ شَرْعِيٍّ فَكَانَ بَيْنُهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ كِتَابَ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَاسِنَ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ بَيَانِ كِتَابِ الْغَصْبِ هُوَ بَيَانُ حُكْمِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَصْبِ شَيْءٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ فَضْلًا عَنْ الْحُسْنِ وَالطَّاعَةِ بَلْ هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ وَظُلْمٌ صِرْفٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَفِي الشَّرِيعَةِ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ) أَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ قَيْدَانِ: أَحَدُهُمَا قَيْدُ أَوْ يُقْصِرَ يَدَهُ بِأَنْ يُقَالَ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ أَوْ يُقْصِرَ يَدَهُ لِئَلَّا يَخْرُجُ عَلَى تَعْرِيفِ الْغَصْبِ فِي الشَّرْعِ مَا أَخَذَهُ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ، كَمَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ وَإِزَالَةِ فَرْعِ تَحَقُّقِهَا إلَّا أَنَّهُ قَصَّرَ يَدَهُ عَنْ مَالِهِ فِي هَاتِيك الصُّوَرِ أَيْضًا.

وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: الْغَصْبُ شَرْعًا أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ، أَوْ يُقْصِرُ يَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ اهـ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا، وَثَانِيهِمَا قَيْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ شَرِيعَةُ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ الِامْتِيَازَ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ كَانَ الْغَصْبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015