قَالَ (وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ فَالْإِخْبَارُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ حَجْرِهِ وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَيْ لَا يَضِيقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا عَلِمْنَا الْمُحَابَاةَ فِيهِ لَا نَرْضَى بِهَا، بَلْ نَرُدُّ الْبَيْعَ فَنَتْبَعُ الْعَبْدَ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ ذَلِكَ الْعُذْرُ فَافْتَرَقَا.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ نَاقِصًا إذَا لَمْ يَفِ بِالدُّيُونِ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ لَذَهَبَتْ فَائِدَةُ قَوْلِهِ فَإِنْ وَصَلَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ فِي قَوْلِهِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يَصِلَ، إذْ لَا يَبْقَى لَهُمْ حِينَئِذٍ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ فَائِدَةٌ فِي الرَّدِّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَرَةُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَعْنَى انْتِفَاءِ الْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ عَيْنَ مَعْنَى وَفَاءِ الثَّمَنِ بِدُيُونِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ تَنْتَفِي الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ، وَجَوَازُ أَنَّهُ يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ وَلَا تَنْتَفِي الْمُحَابَاةُ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ لَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا بِحَسَبِ التَّجَوُّزِ أَوْ الْكِنَايَةِ لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ بَيْنَهُمَا

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ، إنْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ فَالْإِخْبَارُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَأَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. وَأَمَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ اهـ.

وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ إثْرَ ذَلِكَ. أَقُولُ: تَحْرِيرُ هَذَا الْمَحِلِّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ لَا يَخْلُو عَنْ الِاخْتِلَالِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمَا فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِي أَحَدِ شِقَّيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ بِالْإِذْنِ، إذْ لَا إخْبَارَ مِنْ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا إقْرَارَ عَلَى الْمَوْلَى فِيهَا.

وَأَمَّا جَعْلُ الْإِخْبَارِ فِي قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الْإِخْبَارِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ، وَادِّعَاءُ أَنَّ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ إخْبَارًا حُكْمِيًّا عَنْ كَوْنِهِ مَأْذُونًا وَهُوَ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْمَأْذُونِ فَتَمَحُّلٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى. فَالْأَوْلَى هَاهُنَا تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي، فَإِنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهَ قِيَاسٍ.

وَوَجْهَ اسْتِحْسَانٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى مِنْهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا ذَلِكَ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يُخَصُّ بِهَا الْأَثَرُ وَيُتْرَكُ بِهَا الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَبَلْوَى فَإِنَّ الْإِذْنَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عِنْدَ كُلِّ عَقْدٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ، وَمَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ سَقَطَتْ قَضِيَّتُهُ. وَثَانِيهِمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُخْبِرَ بِشَيْءٍ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015