وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ، حَتَّى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا كَانَ مَأْذُونًا أَبَدًا حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ
ثُمَّ الْإِذْنُ كَمَا يَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ، كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَ، وَالْعَبْدُ فِي الشِّرَاءِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي ذِمَّتِهِ بِإِيجَابِ الثَّمَنِ فِيهَا، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ حَالَ الطَّلَبِ حُبِسَ وَذِمَّتُهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقِصَاصِ صَحَّ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَكَانَ الشِّرَاءُ حَقًّا لَهُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي نَفَاذَ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ الْإِذْنِ أَيْضًا، لَكِنْ شَرَطْنَا إذْنُ الْمَوْلَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ اهـ. وَهَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ.
أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَبِيعُهُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفِهِ الشِّرَاءُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفِهِ أَخْذُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ إيجَارُ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك التَّصَرُّفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَقْتَضِي شَيْءٌ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ بِنَاءُ قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي التِّجَارَةِ وَمَا هُوَ الْغَالِبُ وُقُوعًا فِيهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي التِّجَارَةِ هُوَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَّهُمَا هُمَا الْغَالِبُ وُقُوعًا فِي بَابِ التِّجَارَةِ، فَعَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْبِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي أَوَّلِ تَصَرُّفِهِ مَالٌ يَبِيعُهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ الشِّرَاءُ ثَمَّةَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ بَلْ أَوَّلُ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عِنْدَ الْخَصْمِ فَإِنَّ مُؤَاجَرَةَ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ عِنْدَهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. اهـ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ إيرَادِهِ وَجَوَابِهِ سَقَامَةٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ قَالَ: بَلْ أَوَّلُ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْجَزْمِ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ خَطَأٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَسَاسِ وَالْمُغْرِبِ، وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: بَدَلَ ذَلِكَ إيجَارُ نَفْسِهِ كَمَا قُلْت فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّا بِصَدَدِ إثْبَاتِ مَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْإِذْنِ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ لَا بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ الْخَصْمُ، بَلْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ مِنْ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِمَا قَالَهُ الْخَصْمُ أَصْلًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تُحْمَلَ الْمُقَدِّمَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ دُونَ مَذْهَبِنَا، عَلَى أَنَّهَا لَوْ حُمِلَتْ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ لَمْ نَسْلَمْ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ أَخْذُ الْمُضَارَبَةِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْخَصْمُ لَا يُنْكِرُ جَوَازَ ذَلِكَ فَلَمْ يُفِدْ الْحَمْلُ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي الْجَوَابِ مَا قَدَّمْنَا لَا غَيْرَ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ إسْقَاطًا عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مَذْكُورٌ فِي حَيِّزِ التَّعْرِيفِ فَكَيْفَ