قَالَ (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ إذَا وَطِئَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا تَمَّ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْهُ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعِ عَشْرَةَ سَنَةً وَيَتِمُّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَا اخْتِلَافَ. وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَّا الْعَلَامَةُ فَلِأَنَّ الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ حَقِيقَةً وَالْحَبَلُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا الْحَيْضُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ، فَجُعِلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ، وَأَدْنَى الْمُدَّةِ لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ. وَأَمَّا السِّنُّ فَلَهُمْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَّةُ أَنَّ الْبُلُوغَ لَا يَتَأَخَّرُ فِيهِمَا عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَتَابَعَهُ الْقُتَيْبِيُّ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِنَاثَ نُشُوءُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَنَقَصْنَا فِي حَقِّهِنَّ سَنَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يُوَافِقُ وَاحِدٌ مِنْهَا الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ.
قَالَ (وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ أَوْ الْجَارِيَةُ الْحُلُمَ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْبُلُوغِ فَقَالَ قَدْ بَلَغْتُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا ظَاهِرًا، فَإِذَا أَخْبَرَا بِهِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ قُبِلَ قَوْلُهُمَا فِيهِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِهَائِهِ، وَهَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ، فَيَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ اعْتِرَاضٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ فِي بُلُوغِ الصَّبِيِّ رُشْدَهُ إنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي أَشُدِّهِ مِنْ الْمَدَدِ دُونَ أَقَلِّ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ بَلَغَ الْأَقَلَّ مِنْهَا دُونَ الْعَكْسِ.
نَعَمْ وُجُودُ الْأَقَلِّ فِي نَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، لَكِنْ لَيْسَ الْكَلَامُ هَاهُنَا فِي وُجُودِ مُدَّةٍ فِي نَفْسِهَا بَلْ فِي كَوْنِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَشُدَّ الصَّبِيِّ، وَالْمُتَيَقَّنُ بِهِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي أَشُدِّهِ بِلَا رَيْبٍ، ثُمَّ إنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الشُّرَّاحِ حَامَ حَوْلَ هَذَا الْإِشْكَالِ سِوَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبِ الْكِفَايَةِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، إذْ الْأَدْنَى يَكُونُ فِي الْأَكْثَرِ دُونَ الْعَكْسِ.
قُلْنَا: أَوَّلُ الْآيَةِ {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الأنعام: 152] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] وَاَللَّهُ تَعَالَى مَدَّ الْحُكْمَ إلَى غَايَةِ الْأَشُدِّ، وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ، إذْ لَوْ مَدَّ إلَى أَقْصَاهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُدَّ إلَى ثَمَانِيَ عَشَرَةَ، وَلَوْ مَدَّ إلَيْهَا لَا يَكُونُ مُمْتَدًّا إلَى أَقْصَاهُ فَكَانَتْ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ مُتَيَقَّنًا فِي كَوْنِ الْحُكْمِ