وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ، أَمَّا النَّدْبِيَّةُ مُعَلَّقَةٌ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فِي الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّهُ لِلنَّدَبِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتَهَى. إذْ قَدْ عُلِمَ مِنْهُمَا أَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ فِي {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] لَيْسَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ بَلْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُهُمْ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلنَّدَبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ثَابِتَةٌ بِدُونِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ عِنْدَنَا اهـ: أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ، لِأَنَّ مَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، لَا أَنْ لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ أَصْلًا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ الْبَشَرِ فَضْلًا عَنْ كَلَامِ خَالِقِ الْقُوَى وَالْقَدَرِ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَنْعُ أَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ إخْرَاجُ الْكَلَامِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَصِيرُ بِدُونِ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهًا لَا مُبَاحًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَا فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا كَانَ طَرَفُ تَرْكِهِ أَوْلَى، إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَزْبُورِ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ كَانَ جَانِبُ التَّرْكِ أَوْلَى فَيَصِيرُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ إذْ ذَاكَ مَكْرُوهًا لَا مُبَاحًا فَيُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» إلَخْ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَتَكَلُّمُهُمْ فِيهَا بِالرَّأْيِ يَدُلُّ عَلَى زِيَافَةِ الْحَدِيثِ كَمَا عُرِفَ، وَلِهَذَا زَيَّفْنَا مَا رَوَى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا يَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ» فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ