بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ: فِي الْهِبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبْضِ لَا بِالْقَبُولِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا أَدْرِي مَا الْمَانِعُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِالْقَبُولِ، فَإِنَّ التَّوَقُّفَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ التَّامَّ اهـ. أَقُولُ: لَعَلَّ الْمَانِعَ عَنْهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مَقَامَهُ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَالْقَبْضِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ كُلًّا مِنْهُمَا حِينَئِذٍ يُعْطَى حُكْمَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا حُكْمَ الْآخَرِ فَلَا يُوجَدُ نُزُولُ أَحَدِهِمَا مَنْزِلَةَ الْآخَرِ وَقِيَامُهُ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ الْآخَرِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ.

وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَمَّا كَانَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ أَخَذَ حُكْمَ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ التَّوَقُّفَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ الْإِيجَابَ التَّامَّ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ كَمَا لَا يُوجِبُ ثُبُوتُ حُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْضًا ثُبُوتُ حُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ بِدُونِ تَحَقُّقِ الْقَبُولِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ وَمَلَكَهُ؛ لِوُجُودِ الْقَبْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، بِخِلَافِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ أَصْلًا بِدُونِ تَحَقُّقِ الْقَبُولِ فِيهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي قَطْعِيٌّ فِي الْمَنْعِ كَمَا تَرَى. وَطَعَنَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ إلَخْ حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْخَصْمِ فِي الْمَتْنِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: وَلَنَا مُنَاسِبًا. اهـ. وَقَصَدَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ دَفْعَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قُلْت: لَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ هُوَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُنَا نَاسَبَ أَنْ يَقُولَ وَلَنَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ الشَّافِعِيِّ اهـ. أَقُولُ: إنْ تَحَقَّقَ خَصْمٌ يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: وَلَنَا إيمَاءٌ إلَى وُقُوعِ مُنَازِعٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ هَذَا الْقَوْلِ وَحُسْنُهُ فَإِنَّمَا يَحْصُلَانِ عِنْدَ ذِكْرِ مُخَالَفَةِ الْخَصْمِ فِيمَا قَبْلُ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْمُعْتَادُ، وَمُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ مُؤَاخَذَةُ الْمُصَنِّفِ بِتَقْوِيَةِ الْمُنَاسَبَةِ فِي تَحْرِيرِهِ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ عَنْ كَلَامِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَدْفَعُهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَاعْتَرَضَ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَزْبُورِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ لَمَا صَحَّ الْأَمْرُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ كَمَا لَا يَصِحُّ أَمْرُ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْبَائِعِ شَطْرُ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ، فَأَمَّا إيجَابُ الْوَاهِبِ فَعَقْدٌ تَامٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا فَيَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ الْأَمْرُ بِالْقَبْضِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مَذْكُورَانِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمُخْتَلِفَاتِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ بَلْ يُقَرِّرُهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ السُّؤَالِ الْقَدَحُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ فِي الْقَبْضِ مَا لَا يَصِحُّ فِي الْقَبُولِ مِنْ التَّأْخِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ إيجَابِ الْوَاهِبِ وَإِيجَابِ الْبَائِعِ، بِأَنَّ الْأَوَّلَ عَقْدٌ تَامٌّ وَالثَّانِي شَطْرُ الْعَقْدِ وَجَعْلُ هَذَا الْفَرْقِ مَدَارًا لِصِحَّةِ الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فِي الْهِبَةِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْقَبُولِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ. وَخُلَاصَةُ هَذَا بَيَانٌ لَمِّيَّةِ صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ الْقَدْحَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015