قَالَ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ إِذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَى الِاسْتِيدَاعِ، فَلَوْ ضَمِنَاهُ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ. (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْدَعْتُ زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْتُهُ إِيَّاهُ: إِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَأَنَا مُودِعٌ وَمُسْتَوْدِعٌ بِكَسْرِ الدَّالِّ فِيهِمَا، وَزَيْدٌ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَالْمَالُ مُودَعٌ وَوَدِيعَةٌ. وَشَرِيعَةً تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ، انْتَهَى.

حَيْثُ فَسَّرَ الْإِيدَاعَ بِالتَّسْلِيطِ الْمَزْبُورِ دُونَ الْوَدِيعَةِ، وَقَالَا: وَالْمَالُ مُودَعٌ وَوَدِيعَةٌ. وَأَقُولُ: فِيمَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَحْصُولَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْإِيدَاعِ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ مَعْنَاهُ شَرِيعَةً لِاخْتِصَاصِ الثَّانِي بِالْمَالِ وَتَنَاوُلِ الْأَوَّلِ الْمَالَ وَغَيْرَهُ وَلَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُعْتَبِرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ وَغَيْرِهَا اخْتِصَاصُ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا عِنْدَ بَيَانِ مَعْنَاهُ، يُقَالُ: أَوْدَعْتُهُ مَالًا، أَيْ: دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَالِ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا لَمَا أَطْبَقَ أَرْبَابُ اللُّغَةِ عَلَى ذِكْرِ الْمَالِ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ، بَلْ كَانَ اللَّائِقُ بِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: أَوْدَعْتُهُ شَيْئًا أَوْ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ بَعْدَ أَنْ قَالَا: الْإِيدَاعُ لُغَةً تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ قَالَا أَيْضًا: يُقَالُ: أَوْدَعْتُ زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْتُهُ إِيَّاهُ: إِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ فِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ شَيْءٌ يُوهِمُ الْعُمُومَ، بَلْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالْخُصُوصِ، كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا فَكَانَ اللَّائِقُ بِهِمَا جَدًّا تَرْكَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ ... إِلَخْ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْوَدِيعَةُ وَالْأَمَانَةُ كِلَاهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ مُعَبِّرٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ جَوَّزَ بَيْنَهُمَا الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ وَلَا يَجُوزُ إِيقَاعُ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا إِلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّفْسِيرِ كَقَوْلِكَ: اللَّيْثُ أَسَدٌ وَالْحَبْسُ مَنْعٌ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لَيْسَ تَفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ بِالْأَمَانَةِ.

قُلْنَا: جَوَازُ ذَلِكَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ خَاصَّةٌ وَالْأَمَانَةَ عَامَّةٌ، وَحَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ صَحِيحٌ دُونَ عَكْسِهِ، فَالْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتِ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إِنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ. وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015