وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهُ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ؛ حَيْثُ قَالَ: الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمُضَارِبُ لَكِنْ سُمِّيَ الْعَيْنُ مُسْتَأْجِرًا لِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فِيهِ، اهـ.

ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشُّرَّاحِ قَالُوا: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ بِمَنْزِلَةِ أَجِيرَ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَجِيرٌ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِآخَرَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْهُمْ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، كَمَا لَا يُمْكِنُ لِأَجِيرِ الْوَاحِدِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهَ لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْعَيْنِ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِمَا: لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ نَفْسَ الْمَضَارِبِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَهَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إِذَا كَانَتْ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ لَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مُسْتَأْجِرًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِينَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْقَصَّارِ وَرَاعِي الْغَنَمِ لِلْعَامَّةِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ وَقَعَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْعَمَلِ مِنَ الْمُضَارِبِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحْدِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ كَانَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَمَلِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهَ لِآخَرَ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَيْنِ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِمَا: الْمَزْبُورُ رَأْسُ الْمَالِ، فَمُسْلَّمٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَيْ: أَنَّ يَكُونَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلَانِ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِبُ بِمَنْزِلَةِ أَجِيرِ الْوَاحِدِ لِجَرَيَانِ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ، فَإِنَّ مَا يَعْمَلُ بِهِ مِنَ الْأَعْيَانِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي مَحِلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهُ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ) .

قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْكُلُّ مَنْقُوضٌ بِمَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا بِخُطُوطٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ دَاخِلٌ تَحْتَ ذَلِكَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ وَمَعَ ذَلِكَ أَفْسَدَ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ، وَعَلَى قَضِيَّةِ ذَلِكَ الْكُلِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ. قُلْتُ: نَعَمْ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "وَغَيْرُ ذَلِكَ"، الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ لَا يُفْسِدُهَا الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ شَرْطًا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا شُرِعَ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِهِ، انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَلَا يُجْدِي طَائِلًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015