وَكَذَا الْإِحْرَاقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّزَوُّجُ بِهِ إِتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الصُّلْحُ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْمَةَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي صُورَةِ التَّأْخِيرِ، كَيْفَ وَلَوْ أَمْكَنَ الْقِسْمَةُ فِي الدَّيْنِ لَمَا بَطَلَتْ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا لَمْ تُتَصَوَّرُ حَقِيقَةُ الْقِسْمَةِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي صُورَةِ التَّأْخِيرِ بَقِيَ أَصْلُ النَّقْضِ عَلَى حَالِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قِيلَ: إِنَّمَا قَيَّدَ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ يَرْجِعُ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ مُطْلَقًا فَقَالَ: وَلَوْ شَجَّ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مُوضِحَةً فَصَالَحَهُ عَلَى حِصَّتِهِ لَمْ يُلْزِمْهُ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنِ الْمُوَضِحَةِ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِيهَا: وَأَرَى أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ قَدْ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ، انْتَهَى.
وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ صُلْحًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ، انْتَهَى.
أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ إِنَّمَا لَا تَعْقِلُ الْأَرْشَ الَّذِي يَجِبُ بِالصُّلْحِ وَهُوَ الَّذِي يَجِيءُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ. وَإِنَّمَا مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَنَّ الْأَرْشَ قَدْ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ، ثُمَّ يُصَالِحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ أَعْطَاهُ الْجَانِي، فَفِي مَثَلِهِ إِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِ الْجَانِي مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لَمْ يَكُنِ الْجَانِي الْمَصَالِحُ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ؛ إِذِ الْأَرْشُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَضِيًا لَهُ بَلْ قَدْ لَزِمَ الْعَاقِلَةَ، فَأَيْنَ مَا أَرَادَهُ ذَلِكَ الرَّادُّ، ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ كَلَامٌ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ.
أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْقَاتِلَ يَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ؛ إِذْ قَدْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِقَدْرِ مَا لَزِمَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ.
وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إِنَّمَا يَقْتَضِي إِطْلَاقَ الْجِنَايَةِ لَا تَقْيِيدَهَا بِالْعَمْدِ، فَإِنَّ الْمُصَالِحَ إِذَا لَمْ يَكُنْ