. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَبَبُهُ: تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِيهِ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ. وَرُكْنُهُ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ.
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنَ النِّهَايَةِ: وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبِ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: قَبِلْتُ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْغَيْرُ: بِعْتُ، لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلِ الطَّالِبُ قَبِلْتُ، انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَنَّ الصُّلْحَ إِذَا وَقَعَ عَنْ إِقْرَارٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ اعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ. وَإِنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ اعْتُبِرَ بِالْإِجَارَاتِ، وَإِذَا وَقَعَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ كَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الضَّابِطَةُ، فَلَوْ وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبِ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَكَانَ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ وَجَبَ أَنْ لَا يَتِمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: قَبِلْتُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ إِسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَاءً لِبَعْضِهِ الْآخَرِ فِيمَا إِذَا وَقَعَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا فِي حَقّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ أَيْضًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الِافْتِدَاءُ وَتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ.
وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّارِ مَثَلًا، فَصُولِحَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا وَأُلْحِقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هُنَاكَ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: قَبِلْتُ، بِدُونِ قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ إِسْقَاطًا لِدَعْوَى بَعْضِ الْحَقِّ بِمِثْلِ مَا قَالَ فِيمَا إِذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبِ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا يَتِمُّ إِطْلَاقُ قَوْلِهِ وَالْقَبُولِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
وَأَمَا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: " لِأَنَّهُ طَلَبُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ. . . " إِلَخْ، فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ قَاصِرٌ عَنْ إِفَادَةِ كُلِّيَّةِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ رُكْنِيَّةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَتَمَشَّى فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُنْدَرِجَةِ فِي الضَّابِطَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلصُّلْحِ. بَلْ إِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ مَا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ وَكَانَ مَالًا بِمَالٍ، فَتَأَمَّلْ.
وَشَرْطُ مُطْلَقِ الصُّلْحِ: كَوْنُ الْمَصَالَحِ عَنْهُ مِمَّا يَجُوزُ عَنْهُ الِاعْتِيَاضُ. وَلِأَنْوَاعِهِ شُرُوطٌ أُخَرُ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي الْكِتَابِ. وَحُكْمُهُ: وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي، كَذَا فِي الْكَافِي وَبَعْضِ الشُّرُوحِ.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنَ النِّهَايَةِ: وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُدَّعِي الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ مُنْكِرًا كَانَ الْخَصْمُ أَوْ مُقِرًّا، وَوُقُوعُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمُصَالِحِ عَنْهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَالْبَرَاءَةَ لَهُ فِي غَيْرِهِ إِنْ كَانَ مُقِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي احْتَمَلَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ التَّمْلِيكَ أَوْ لَا، انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَتَرْكِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، فَجُعِلَ حُكْمُ الصُّلْحِ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ قِسْمَيْنِ: تَمَلُّكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِيَّاهُ، وَبَرَاءَتُهُ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَفِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ قِسْمًا وَاحِدًا هُوَ تَمَلُّكُ الْمُدَّعِي إِيَّاهُ مَعَ جَرَيَانِ احْتِمَالِ التَّمْلِيكِ وَعَدَمِ احْتِمَالِهِ فِي الْجَانِبَيْنِ مَعًا، مِمَّا لَا يَخْلُو عَنْ تَحَكُّمٍ، فَإِنْ نُوقِشَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ تَرْكُ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا الْمَصَالَحُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فِي ذَلِكَ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحَقِّ فِيمَا بِيَدِ الْآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ مُصَالَحًا عَنْهُ بِالنَّظَرِ إِلَى ذِي الْيَدِ، وَمُصَالَحًا عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ قَطْعًا.
قُلْنَا: فَمَاذَا يُقَالُ فِيمَا إِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قِصَاصًا فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى وَالْعَفْوِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى وَالْعَفْوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ، كَذَلِكَ نَفْسُ الْقِصَاصِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تَمَلُّكُ الْمُدَّعِي الْمَصَالَحَ عَلَيْهِ، بَلْ إِنَّمَا يَتَيَسَّرُ فِيهَا بَرَاءَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى الْآخَرِ. بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدَفَعَ الْمُدَّعِي إِلَى ذِي الْيَدِ شَيْئًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَأَخَذَ الدَّارَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّرُوحِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ فَصُولِ الْإِسْتَرُوشَنِيِّ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ هُنَاكَ الْمُدَّعِي الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ فَيَنْتَقِضُ