. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ إلَّا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا هِيَ الْعِلَّةُ فَقَطْ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْعَقَارِ فَإِنَّ لِذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا عِلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَبِهَذَا الْبَسْطِ وَالتَّحْقِيقِ تَبَيَّنَ انْدِفَاعُ اعْتِرَاضِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقَوْمِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِلْوِقَايَةِ: أَقُولُ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْعَقَارَ أَيْضًا، فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمَنْقُولِ بِهَذَا الْحُكْمِ اهـ.

ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا كَلِمَاتٍ أُخْرَى لِلْفُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْقُلَهَا وَنَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا. فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ أَجَابَ عَنْ اعْتِرَاضِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ دِرَايَةَ وَجْهِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ مُسَلَّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، كَمَا قَالُوا إنَّ شُبْهَةَ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. إذَا عَرَفْتهمَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْعَقَارِ شُبْهَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَوَجَبَ دَفْعُهَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى، وَبَعْدَ ثُبُوتِهِ يَكُونُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقِّ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ.

وَأَمَّا الْيَدُ فِي الْمَنْقُولِ فَلِكَوْنِهِ مُشَاهَدًا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فَوَجَبَ دَفْعُهَا لِتَصِحَّ الدَّعْوَى اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالشُّرُوحِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَالَبَةِ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا لِيَزُولَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مَرْهُونًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ وَأَوْجَبُوا دَفْعَهُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي لَمْ يَعْتَبِرُوهَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَدَبِّرِ فَتَدَبَّرْ اهـ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَإِنْ أَرَدْت تَحْقِيقَ الْمَقَامِ وَتَلْخِيصَ الْكَلَامِ، فَاسْتَمِعْ لِمَا يُتْلَى عَلَيْك مُسْتَعِينًا بِالْمَلِكِ الْعَلَّامِ، وَمُسْتَمِدًّا مِنْ وَلِيِّ الْفَيْضِ وَالْإِلْهَامِ، فَأَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَقَارِ شُبْهَةً فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ شُبْهَةً فِي كَوْنِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّ الثَّانِيَةَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ أَقَاوِيلَهُمْ، وَأَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ إلَّا إذَا انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ فَإِنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ غَائِبَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ هُوَ شُبْهَةُ دَعْوَى النِّكَاحِ إذَا حَضَرَتْ ثُمَّ شُبْهَةُ صِدْقِهَا فِي تِلْكَ الدَّعْوَى فَلَا تُعْتَبَرُ لِكَوْنِهَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ.

وَأَمَّا إذَا حَضَرَتْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَتْ النِّكَاحَ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الصِّدْقِ. إذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فَنَقُولُ: لَوْ أَتَى مُدَّعِي الْعَقَارِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَالَ هُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ قَرَعَ سَمْعَك مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي كَلَامٍ مُثْبَتٍ أَوْ مَنْفِيٍّ تَقْيِيدٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَمَنَاطُ الْإِفَادَةِ هُوَ ذَلِكَ الْقَيْدُ يَلْزَمُ عَكْسُ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِاهْتِمَامُ بِدَفْعِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ مَعَ بَقَاءِ الشُّبْهَةِ بِحَالِهَا، فَأَحَالُوا دَفْعَهَا إلَى كَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مُتَأَخِّرٍ بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَّعِي أُطَالِبُهُ فَإِنَّ فِي تِلْكَ الرُّتْبَةِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ بِطَرِيقِهَا وَبَقِيَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَأَوْجَبُوا تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِتَنْدَفِعَ بِهَا شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ بِحَقٍّ. أَوْ نَقُولُ: لَوْ زَادَ الْمُدَّعِي قَوْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَلْزَمُ اعْتِبَارُ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ مَرْتَبَةً عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْدِفَاعِهَا بِهِ مَحْذُورٌ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا فَإِنَّهُ هُوَ الْكَلَامُ الْفَصْلُ وَالْقَوْلُ الْجَزْلُ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي الْمَنْقُولِ كَالْمُطَالَبَةِ فِي الدُّيُونِ لَيْسَ لِدَفْعِ الِاحْتِمَالِ بَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْعَقَارِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.

وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْفَاضِلُ هَاهُنَا وَسَمَّاهُ بِالتَّحْقِيقِ مِمَّا لَا يُجْدِي طَائِلًا وَمَا هُوَ بِذَلِكَ التَّلْقِيبِ بِحَقِيقٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ خُلَاصَةَ كَلَامِهِ هِيَ أَنَّ مُدَّعِي الْعَقَارِ لَوْ أَتَى بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَجَعَلَهَا قَيْدًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَقَصَدَ بِهَا دَفْعَ شُبْهَةِ كَوْنِ الْيَدِ بِحَقٍّ لَزِمَ اعْتِبَارُ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالِاهْتِمَامُ بِدَفْعِهَا مَعَ بَقَاءِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِحَالِهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْيَدِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ قَبْلُ انْدِفَاعِ الشُّبْهَةِ، فَأَحَالُوا دَفْعَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ إلَى كَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مُتَأَخِّرٍ فِي الرُّتْبَةِ عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَّعِي أُطَالِبُهُ، فَإِنَّ فِي تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ وَبَقِيَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ مُعْتَبَرَةً، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِيهِ مُشَاهَدٌ فَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَوْجَبُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015