أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعَنْ مُعَايَنَةٍ تَشْهَدُونَ أَمْ عَنْ سَمَاعٍ، كَذَا ذُكِرَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى (أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي) عَطْفٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ أَيْ أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَكْفِي تَصْدِيقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ (نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ) أَيْ لَعَلَّهُ (فِي يَدِ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُصَدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ بِأَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ فِي يَدِ الثَّالِثِ فَكَانَ ذَلِكَ قَضَاءً بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ أَنَّهُ فِي يَدِ الثَّالِثِ اهـ كَلَامُهُ.
وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْمَعْنَى صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ثُمَّ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ لَا يَدَّعِي عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا بَلْ يُصَدِّقُ الْمُدَّعِي فِي قَوْلِهِ إنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَصْدِيقَ الْآخَرِ لَيْسَ بِدَعْوَى عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمُ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الدَّعْوَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُجَّةٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَقَدْ انْتَفَتْ بِقِسْمَيْهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. أَمَّا انْتِفَاءُ الْبَيِّنَةِ فَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لَا تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ الْإِخْبَارُ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا مِنْ الْمُدَّعِي بِالنِّسْبَةِ إلَى حَقِّ الْيَدِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحُجَّةُ أَصْلًا لِثُبُوتِ الْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ لِيَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا هُوَ أَنَّ الْعَقَارَ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهُمَا يَتَوَاضَعَانِ عَلَى أَنْ يُصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ لَهُ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِكَوْنِهِ لَهُ فَيَصِيرُ هَذَا قَضَاءً لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ فِي يَدِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فِي يَدِهِ الدَّارَ الَّتِي حَدُّهَا كَذَا وَبَيَّنَ حُدُودَهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ عَلَى الْمِلْكِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُمَا تَوَاضَعَا فِي مَحْدُودٍ فِي يَدِ ثَالِثٍ عَلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ أَحَدُهُمَا فَيَقُولَ الْآخَرُ بِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَيُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ وَالدَّارُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا