ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَعْضِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَكَذَا لَوْ دَبَّرَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَفِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ الَّذِي وَكَّلَ بِبَيْعِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَاكَ وَإِنْ صَارَ مَعْزُولًا بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ لَكِنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِتَرْكِ إعْلَامِهِ إيَّاهُ فَصَارَ كَفِيلًا لَهُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْكَفَالَةِ أَوْ ضَمَانُ الْغُرُورِ فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ، وَمَعْنَى الْغُرُورِ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمَوْتِ وَهَلَاكِ الْعَبْدِ وَالْجُنُونِ وَأَخَوَاتِهَا فَهُوَ الْفَرْقُ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ وَهَبَ الْمَالَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَالْوَكِيلُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ الْمَالَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ لِدَافِعِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُوَكِّلَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ نِيَابَةٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِهِ وَقَبْضُ النَّائِبِ كَقَبْضِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَمَا وَهَبَهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَجَعَ عَلَيْهِ، فَكَذَا هَذَا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ.
[كِتَابُ الدَّعْوَى]
لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ الَّتِي هِيَ أَشْهَرُ أَنْوَاعِ الْوَكَالَاتِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الدَّعْوَى ذَكَرَ كِتَابَ الدَّعْوَى عَقِيبَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ يَتْلُو السَّبَبَ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا أُمُورًا مِنْ دَأْبِ الشُّرَّاحِ بَيَانُ أَمْثَالِهَا فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ، وَهِيَ مَعْنَى الدَّعْوَى لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبُهَا وَشَرْطُهَا وَحُكْمُهَا وَنَوْعُهَا، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: مُطَالَبَةُ حَقٍّ فِي مَجْلِسِ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا سَيَجِيءُ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَعْرِيفُهَا بِهَا لِلْمُبَايَنَةِ إلَّا أَنْ تُؤَوَّلَ بِالْمَشْرُوطِ بِالْمُطَالَبَةِ. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُطَالَبَةِ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا يُنَافِي اسْتِقَامَةَ تَعْرِيفِ نَفْسِ الدَّعْوَى بِهَا، إذْ الْمُبَايَنَةُ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ لَا تَقْتَضِي الْمُبَايَنَةَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُبَايِنٌ لِصِحَّتِهِ لِكَوْنِهَا وَصْفًا مُغَايِرًا لَهُ وَلَيْسَ بِمُبَايِنٍ لِنَفْسِهِ قَطْعًا غَايَةُ مَا لَزِمَ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ الدَّعْوَى مَشْرُوطًا بِالْمُطَالَبَةِ الَّتِي هِيَ نَفْسُ الدَّعْوَى وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، فَإِنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَصْفٌ لَهَا وَتَحَقُّقُ الْوَصْفِ مَشْرُوطٌ بِتَحَقُّقِ الْمَوْصُوفِ دَائِمًا