لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَمَا يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ.
وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ يَصِحُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَمِدُّ مِنْ سِرٍّ وَاحِدٍ هُوَ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ أَعْمَى وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَالْكَمَالُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَفِيفًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَبِطَرِيقِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْقُضَاةِ.
[فَرْعٌ]
قُلِّدَ عَبْدٌ فَعَتَقَ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدٍ، كَمَا لَوْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ حَالَ الرِّقِّ ثُمَّ عَتَقَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَذَكَرَ بَعْدَ وَرَقَةٍ: لَوْ قُلِّدَ قَضَاءُ مِصْرَ لِصَبِيٍّ فَأَدْرَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَوْ قُلِّدَ كَافِرٌ الْقَضَاءَ فَأَسْلَمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى قَضَائِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْلِيَةٍ ثَانِيَةٍ فَصَارَ الْكَافِرُ كَالْعَبْدِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ وَبِهِ مَانِعٌ، وَبِالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ يَرْتَفِعُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا. وَمَا فِي الْفُصُولِ: لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ كَافِرٍ إذَا أَدْرَكْت فَصَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ اقْضِ بَيْنَهُمْ جَازَ لَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ، لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْوِلَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ، وَمَا تَقَدَّمَ تَنْجِيزٌ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ وِلَايَةُ الصَّبِيِّ قَاضِيًا لَا يَصِحُّ سُلْطَانًا، فَمَا فِي زَمَانِنَا مِنْ تَوْلِيَةِ ابْنٍ صَغِيرٍ لِلسُّلْطَانِ إذَا مَاتَ فَقَدْ سَأَلَهُ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وَالٍ عَظِيمٍ يَصِيرُ سُلْطَانًا، وَتَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يُعِدُّ نَفْسَهُ تَبَعًا لِابْنِ السُّلْطَانِ تَعْظِيمًا وَهُوَ السُّلْطَانُ فِي الْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا إنْ عَزَلَ ذَلِكَ الْوَالِي الْعَظِيمُ نَفْسَهُ مِنْ السَّلْطَنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ. وَأَمَّا الذُّكُورَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَّا لِلْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ فَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِيهِمَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَضَاءِ الْفَاسِقِ، فَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي النَّوَادِرِ مِثْلُهُ، لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ: اجْتِمَاعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالِاجْتِهَادِ وَغَيْرِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فِي عَصْرِنَا لِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْعَدْلِ، فَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا، فَلَوْ قُلِّدَ الْجَاهِلُ الْفَاسِقُ صَحَّ وَيُحْكَمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الرَّعِيَّةِ عَدْلٌ عَالِمٌ لَا يَحِلُّ تَوْلِيَةُ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ وُلِّيَ صَحَّ عَلَى مِثَالِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا، وَإِنْ قَبِلَ نَفَّذَ الْحُكْمَ بِهَا، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ: يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ قَبِلَ جَازَ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ