هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ
(وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاتِحَةِ.
لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ»
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ، وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ) فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَصْمِ مُطْلَقًا فَيَخْرُجُ الْمُقْتَدِي، وَعَلَى طَرِيقَتِنَا يُخَصُّ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَهُوَ الْمُدْرَكُ فِي الرُّكُوعِ إجْمَاعًا فَجَازَ تَخْصِيصُهُمَا بَعْدَهُ بِالْمُقْتَدِي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
وَكَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِاقْتِدَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، بَلْ يُقَالُ الْقِرَاءَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ الْمُقْتَدِي شَرْعًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ، فَلَوْ قَرَأَ لَكَانَ لَهُ قِرَاءَتَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، بَقِيَ الشَّأْنُ فِي تَصْحِيحِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ضُعِّفَ، وَاعْتَرَفَ الْمُضَعِّفُونَ لِرَفْعِهِ مِثْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ عَدِيٍّ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ كَالسُّفْيَانَيْنَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ وَشُعْبَةَ وَإِسْرَائِيلَ وَشَرِيكٍ وَأَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ وَزَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ رَوَوْهُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلُوهُ. وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَرَّةً أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ، فَنَقُولُ: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيَكْفِينَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ عَلَى رَأَيْنَا، وَعَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ أَيْضًا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ عَنْ حُجِّيَّتِهِ فَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» . وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحُفَّاظَ الَّذِينَ عَدُّوهُمْ لَمْ يَرْفَعُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّهَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ