إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ

(وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ، وَلِأَنَّ مَا يَتَنَاوَلُ اسْمَ الْوَاجِبِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ مِنْهُ: أَيْ مِنْ النَّصِّ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ: وَلَا يُجْزَمُ بِكَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا بِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِيَقِينٍ إذْ لَمْ يُجْزَمْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَمْ تَبْرَأْ بِهِ الذِّمَّةُ خُصُوصًا وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ، بِخِلَافِ الْآيَةِ إذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ: أَيْ مَعْنَى مَا دُونَ الْآيَةِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ قَارِئًا بِهَا، فَمَبْنَى الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وَأَمَّا مَبْنَى الْخِلَافِ فَقِيلَ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ.

وَعِنْدَهُمَا بِالْقَلْبِ مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ تُسْتَعْمَلُ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مُنِعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا، وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ: أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا عُرْفًا، فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ.

قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ.

نَعَمْ ذَاكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ.

وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3] {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً، فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا

(قَوْله لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلَاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ» وَفِيهِ الْقَاسِمُ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَمِنْ الْقُرْآنِ هُمَا؟ فَأَمَّنَا بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» وَصَحَّحَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015