قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ضَمِنَ الْمَالَ) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوَافِ بِهِ إلَى كَذَا فَهُوَ كَفِيلٌ بِكُلِّ مَالٍ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ فَدَفَعَهُ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ أَنْ تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ تَوَارَى الْمَكْفُولُ لَهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْكَفِيلُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَخَافَ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ وَكِيلًا فَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَتَوَارَى حَتَّى كَادَتْ تَمْضِي يَرْفَعُ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ فَعَلَهُ الْقَاضِي فَهُوَ حَسَنٌ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِيهَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي لِلطَّالِبِ عَلَى فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَا عَلَى الْكَفِيلِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ.
وَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَاحِدًا فِي الْكَفَالَتَيْنِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ مُخْتَلَفًا فِيهِمَا فَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ وَاحِدًا وَالْمَطْلُوبُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَدٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فِي الْمَجْلِسِ مَثَلًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَاشْتَرَطَ الْكَفِيلُ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ تُوَافِ غَدًا لِتَقْبِضَهُ مِنِّي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ فَالْتَقَيَا بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ الْكَفِيلُ قَدْ وَافَيْت وَقَالَ الطَّالِبُ قَدْ وَافَيْت وَلَمْ تُوَافِ أَنْتَ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَوْ أَقَامَ الْمَطْلُوبُ بَيِّنَةً عَلَى الْمُوَافَاةِ بَرِيءَ مِنْ الْكَفَالَتَيْنِ، وَكُلَّمَا كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ فَادَّعَى الْكَفِيلُ أَنَّهُ وَافَى بِهِ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ: فَإِنْ غَابَ فَلَمْ أُوَافِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَهَذَا عَلَى أَنْ يُوَافِيَهُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ) يَعْنِي بَعْدَ الْغَدِ (ضَمِنَ الْمَالَ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْمَالُ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بَقَاءُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَهِيَ قَدْ زَالَتْ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ قَبْلَ الْوَقْتِ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ وُضِعَ لِفَسْخِ الْكَفَالَةِ فَتُفْسَخُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ إنَّمَا هُوَ ضَرُورَةُ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُفِيدِ فَيُقْتَصَرُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعَدِّيهَا إلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ.
وَأَمَّا جَوَابُ الْمَحْبُوبِيِّ وَالْمَبْسُوطِ بِأَنَّ تَصْحِيحَهَا بِطَرِيقِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ لِلْحَالِ ثُمَّ عَلَّقَ إبْرَاءَهُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ.