إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا

(وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَهْرَ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَنْتَفِي بِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ الشَّرْعِ كَوْنُ الْجَهْرِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ تَخْيِيرًا فِي الْوَقْتِ وَحَتْمًا عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَلَوْلَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَقُلْنَا بِتَقَيُّدِهِ بِالْوَقْتِ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ مَعْدُومٌ فَبَقِيَ الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الِانْتِفَاءِ الْأَصْلِيِّ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شَرْعِيَّةُ الْإِخْفَاءِ، وَالْجَهْرُ يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ آخَرُ فَعِنْدَ فَقْدِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَشَرَعَ الْكُفَّارُ يُغَلِّطُونَهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] فَأَخْفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا نَائِمِينَ وَبِالطَّعَامِ مَشْغُولِينَ» فَاسْتَقَرَّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ الْجَهْرُ، وَالْإِخْفَاءُ يُعَارَضُ، وَأَيْضًا نَفْيُ الْمُدْرَكِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَدَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِمَا الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ

(قَوْلُهُ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يَقْضِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إعَادَةُ مَا لَمْ يَسْبِقْ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ) مِثْلُ هَذَا الْوَضْعِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ لَهُمَا: يَعْنِي مِنْ الدَّلَائِلِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَلْحَقُهَا بِالشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُو عَنْهَا الثَّانِي حُكْمًا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّهَا فَتَقَعُ قِرَاءَتُهَا أَدَاءً لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْمَحَلِّيَّةِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ.

وَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فَإِنْ كَانَ إيقَاعُهَا فِيهِ يُخَلِّيهِ عَنْهَا حُكْمًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015