. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَالِصَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ أَنْوَاعِهَا، ثُمَّ شَرَعَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ، ثُمَّ فِي تَرْتِيبِ خُصُوصِ بَعْضِ الْأَبْوَابِ عَلَى بَعْضِ مُنَاسَبَاتٍ خَاصَّةٍ ذُكِرَتْ فِي مَوَاضِعِهَا، وَوَقَعَ فِي آخِرِهَا تَرْتِيبُ أَوَّلِ أَقْسَامِ حُقُوقِ الْعِبَادِ: أَعْنِي الْبَيْعَ عَلَى الْوَقْفِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا صَحَّ خَرَجَ الْمَمْلُوكُ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لَا إلَى مَالِكٍ. وَفِي الْبَيْعِ إلَى مَالِكٍ فَنَزَلَ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْوُجُودِ فَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيمِ، هَكَذَا ذَكَرَ. وَلَا يَخْفَى شُرُوعُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ زَمَانٍ، فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَالْمَفْقُودِ وَالشَّرِكَةِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. ثُمَّ الْبَيْعُ مَصْدَرٌ؛ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ فَيُجْمَعُ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا يُجْمَعُ الْمَبِيعُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْأَصْلُ فَجَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ سَلَمًا وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ، وَقَلَبَهُ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ، وَصَرْفًا وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ، وَمُقَابَضَةً وَهُوَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَبِخِيَارٍ وَمُنْجَزٍ أَوْ مُؤَجَّلِ الثَّمَنِ، وَمُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَوَضِيعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ بَاعَهُ: إذَا أَخَّرَ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ، وَبَاعَهُ: أَيْ اشْتَرَاهُ، وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ، بَاعَ زَيْدٌ الثَّوْبَ وَبَاعَهُ مِنْهُ. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ لُغَةً وَشَرْعًا فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْبَيْعُ لُغَةً: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَكَذَا فِي الشَّرْعِ، لَكِنْ زِيدَ فِيهِ قَيْدُ التَّرَاضِي اهـ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لُغَةً أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مَنْ بَاعَهُ وَبَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ إلَّا أَنَّهُ اُسْتُبْدِلَ بِهِ بِالتَّرَاضِي، وَأَنَّ الْأَخْذَ غَصْبًا وَإِعْطَاءَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لَا يَقُولُ فِيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ بَاعَهُ. وَشَرْعِيَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَالسُّنَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ بَيْعَكُمْ هَذَا يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْكَذِبُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» وَبَعَثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ.
وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ. وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَعْلُومِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ جَمِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ اسْتَقَلَّ بِابْتِدَاءِ بَعْضِ حَاجَاتِهِ مِنْ حَرْثِ الْأَرْضِ ثُمَّ بَذْرِ الْقَمْحِ وَخِدْمَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَحَصْدِهِ وَدِرَاسَتِهِ ثُمَّ تَذْرِيَتِهِ ثُمَّ تَنْظِيفِهِ وَطَحْنِهِ بِيَدِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَفِي الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ لِلِبْسِهِ وَبِنَاءِ مَا يُظِلُّهُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَدْفَعَهُ الْحَاجَةُ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَ