مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ.
وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا وَالتَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ. لَهُمَا «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَرْضٍ لَهُ تُدْعَى ثَمْغَ: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى سِوَى قَوْلِنَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَلَى وَجْهٍ يُحْبَسُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ اللَّهِ فِي الْأَشْيَاءِ لَمْ يَزُلْ قَطُّ وَلَا يُزَالُ، فَالْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ لَا إلَى مَالِكٍ فَيَلْزَمُ وَلَا يَمْلِكُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِامْتِنَاعِ السَّائِبَةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ لَكِنْ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ. وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ» اهـ
، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ خِلَافَ الْأَصْلِ وَالْقِيَاسِ ثَابِتٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ خُرُوجُهُ لَا إلَى مَالِكٍ وَثُبُوتُ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ فِيهِ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ؛ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ الثَّانِي أُمُّ الْوَلَدِ يَكُونُ الْمِلْكُ فِيهَا بَاقِيًا وَلَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُوَرَّثُ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَنَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ بِالدَّلِيلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِلْكَ الْوَاقِفِ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ، وَالْمَعْلُومُ بِالْوَقْفِ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَلْيَثْبُتْ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَقَطْ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُزِيلُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ» مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِلَّا لَخَرَجَ إلَى مَالِكٍ آخَرَ.
ثُمَّ رَأَيْنَا غَيْرَهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ «إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا» أَيْ بِالثَّمَرَةِ أَوْ الْغَلَّةِ، وَظَاهِرُهُ حَبْسُهَا عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَخْلُصْ دَلِيلٌ يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ يُفِيدُ لُزُومَهُ لَا غَيْرُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ثَبَتَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ " تَصَدَّقْ " وَقَوْلُهُ " حَبِّسْ " وَالْمَفْهُومَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا مَلِّكْهُ الْفَقِيرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَمَعْنَى حَبِّسْ احْبِسْهُ: أَيْ عَلَى مَا كَانَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا إلَّا مَعْنَى أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجِيبًا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ. فَإِمَّا أَنْ يَحْمِلَ حَبِّسْ عَلَى مَعْنَى تَصَدَّقْ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى نَفْيِهِ إذْ لَا يَقُولُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِمِلْكِ الْفَقِيرِ لِلْعَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ تَصَدَّقْ عَلَى مَعْنَى حَبَسَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَيُحْبَسُ عَلَى الْمِلْكِ شَرْعًا، وَإِذَا حَبَسَ عَلَيْهِ شَرْعًا امْتَنَعَ بَيْعُهُ.
وَصُورَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ الَّذِي بِهِ يَزُولُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ، ثُمَّ يُظْهِرَ الرُّجُوعَ فَيُخَاصِمَهُ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ، قَالُوا: فَإِنْ خَافَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبِيعَهُ قَاضٍ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ يَكْتُبُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ: فَإِنْ أَبْطَلَهُ أَوْ غَيَّرَهُ قَاضٍ فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعُ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ فُلَانٍ الْوَاقِفِ تُبَاعُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَتَبَ هَذَا لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ فِي إبْطَالِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَإِذَا أَبْطَلَهُ قَاضٍ يَصِيرُ وَصِيَّةً يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ يَكُونُ فِي نَقْضِهِ وَبَيْعِهِ فَائِدَةٌ لِلْوَرَثَةِ، فَمَحْمَلُ مَا ذَكَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقَفَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ كَانَ فِيهِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا) أَيْ لَفْظُ الْوَقْفِ يَصْدُقُ مَعَ كُلٍّ مِنْ زَوَالِ