ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوْبَتُهُ هُوَ الْمُنَافِقُ، فَالزِّنْدِيقُ إنْ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِنًا كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّدَيُّنِ بِدِينٍ وَيُظْهِرُ تَدَيُّنَهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ ظَفِرْنَا بِهِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَإِلَّا فَلَوْ فَرَضْنَاهُ مُظْهِرًا لِذَلِكَ حَتَّى تَابَ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْتَلَ.
وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ الْمُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِمْ إذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ، وَكَذَا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْكِرُ فِي الْبَاطِنِ بَعْضَ الضَّرُورِيَّاتِ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَيُظْهِرُ اعْتِرَافَ حُرْمَتِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِلسِّحْرِ حَقِيقَةٌ وَتَأْثِيرٌ فِي إيلَامِ الْأَجْسَامِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ. وَتَعْلِيمُ السِّحْرِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ كُفْرٌ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَبِيبِ بْنِ كَعْبٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُمْ قَتَلُوهُ بِدُونِ الِاسْتِتَابَةِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا ابْنُ قَانِعٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْفَهَانِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ» انْتَهَى، يَعْنِي الْقَتْلَ. قَالَ: وَقِصَّةُ جُنْدُبٍ فِي قَتْلِهِ السَّاحِرَ بِالْكُوفَةِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ مَشْهُورَةٌ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُكَفَّرُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ. وَأَمَّا الْكَاهِنُ فَقِيلَ هُوَ السَّاحِرُ، وَقِيلَ هُوَ الْعَرَّافُ وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ وَيَتَخَرَّصُ.
وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَهُ مِنْ الْجِنِّ مَنْ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَفْعَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ كَفَرَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ لَمْ يَكْفُرْ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ اعْتَقَدَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ، وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُهُ كَفَرَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّاحِرِ. فِي رِوَايَةٍ يُقْتَلُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كُفْرِ السَّاحِرِ وَالْعَرَّافِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا قَتْلُهُ فَيَجِبُ وَلَا يُسْتَتَابُ إذَا عُرِفَتْ مُزَاوَلَتُهُ لِعَمَلِ السِّحْرِ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَا بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُوَادَعَةَ لَا يُجِيبُهُمْ إلَى ذَلِكَ.
[بَابُ الْبُغَاةِ]
(بَابُ الْبُغَاةِ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ. وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ، وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ. وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ: الطَّلَبُ، بَغَيْتُ كَذَا: أَيْ طَلَبْتُهُ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةَ ذَلِكَ {مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ. وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: الْخَارِجُ عَنْ طَاعَةِ إمَامِ الْحَقِّ. وَالْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: أَحَدُهَا الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ. وَالثَّانِي قَوْمٌ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ