وَهِيَ ثَابِتَةٌ إجْمَاعًا، وَالْمُقَوَّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ لِكَمَالِ الِامْتِنَاعِ بِهِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِيهِ فَتَتَعَلَّقُ بِمَا عُلِّقَ بِهِ الْأَصْلُ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ. جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ بِهِ، أَيْ بِالْإِثْمِ لَكَانَ أَحْسَنَ (وَ) الْعِصْمَةُ (الْمُقَوَّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ) أَيْ فِي أَصْلِ الْعِصْمَةِ (لِكَمَالِ الِامْتِنَاعِ بِهِ) أَيْ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمُنْتَهِكِ لَهَا (فَتُعَلَّقُ) هَذِهِ الْعِصْمَةُ (بِمَا عُلِّقَ بِهِ الْأَصْلُ) أَعْنِي الْمُؤْثِمَةَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " فَتَنْصَرِفُ الْعِصْمَةُ إلَى كَمَالِهَا وَذَلِكَ بِالْمُقَوَّمَةِ وَالْمُؤْثِمَةِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَإِنَّهُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ اكْتِفَاءً بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَفَاضَ فِي تَفَاصِيلِ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ الْخَطَإِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ كَانَ} [النساء: 92] أَيْ الْمَقْتُولُ {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَعُرِفَ أَنَّهُ تَمَامُ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّهُ مُفِيضٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَائِنِ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا فَقَالَ مُوجِبُهُ كَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلَّ الْمُوجِبِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِمُوجِبِهِ بَلْ لِبَعْضِ مُوجِبِهِ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا آخَرَ قَدَّمَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ، وَقَرَّرَ بِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ هُوَ الْكَافِي يُقَالُ جَزَى فُلَانٌ: أَيْ كَفَى وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْجَزَاءِ الْمَجْعُولِ مَعْنَى الْفَاءِ لَفْظٌ اصْطِلَاحِيٌّ: أَيْ جَعْلِيٌّ لَا أَنَّ اللُّغَةَ وَضَعَتْ لَفْظَ الْفَاءِ لِمَعْنَى لَفْظِ الْجَزَاءِ حَتَّى يُقَالَ الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْفَاءِ الْكَافِي. بَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِ النُّحَاةِ الْفَاءُ لِلْجَزَاءِ: أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُسَبَّبٌ عَمَّا قَبْلَهَا فَسُمِّيَ الْمُسَبَّبُ جَزَاءً اصْطِلَاحًا لَا لُغَةً فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ) فِي الْأَصْلِ (بِالْآدَمِيَّةِ) لَا بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ