وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْكُرَاعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ، وَكَذَا بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّقِيطِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي نَقْلِ السِّلَاحِ وَتَجْهِيزِهِ إلَيْهِمْ (تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا الْكُرَاعِ) أَيْ الْخَيْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْمُوَادَعَةِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا (لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ) قَالَ (وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ) أَيْ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَمْلِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ بِهِ يَحْصُلُ التَّقْوَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَقْصُودُ إضْعَافُهُمْ (إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ) أَيْ نَقْلَ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ (بِالنَّصِّ) يَعْنِي حَدِيثَ ثُمَامَةَ، وَحَدِيثَ إسْلَامِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ ثُمَامَةَ، وَفِي آخِرِهِ قَوْلُهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَالُوا لَهُ أَصَبَوْت؟ «فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا صَبَوْت وَلَكِنِّي أَسْلَمْت وَصَدَّقْت مُحَمَّدًا وَآمَنْت بِهِ، وَاَيْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ وَكَانَتْ رِيفُ مَكَّةَ مَا بَقِيَتْ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ وَمَنَعَ الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ يَحْمِلَ إلَيْهِمْ الطَّعَامَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخَرِ السِّيرَةِ، «وَذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ صَبَأْت؟ فَقَالَ لَا، وَلَكِنِّي اتَّبَعْت خَيْرَ الدِّينِ دِينِ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّك قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا، فَكَتَبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ» . وَأَمَّا بَيْعُ الْحَدِيدِ فَمَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ نَصَّ عَلَى تَسْوِيَةِ الْحَدِيدِ وَالسِّلَاحِ.
وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا فِي السِّلَاحِ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا كَرِهْنَا بَيْعَ الْمَزَامِيرَ وَأَبْطَلْنَا بَيْعَ الْخَمْرَ وَلَمْ نَرَ بِبَيْعِ الْعِنَبِ بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالُوا فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِآلَةِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ يَصِيرُ آلَةً لَهَا بَعْدَ مَا يَصِيرُ خَمْرًا، وَأَمَّا هُنَا فَالسِّلَاحُ آلَةُ الْفِتْنَةِ فِي الْحَالِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْفِتْنَةِ، قِيلَ بِإِشَارَةِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ بَيْعَ الْحَدِيدِ مِنْهُمْ لَا يُكْرَهُ.
[فُرُوعٌ مِنْ الْمَبْسُوطِ] طَلَبَ مَلِكٌ مِنْهُمْ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ أَنْ يَحْكُمَ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ قَتْلٍ وَظُلْمٍ لَا يَصْلُحُ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ عَلَى الظُّلْمِ مَعَ قُدْرَةِ الْمَنْعِ مِنْهُ حَرَامٌ، وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ مَنْ يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَشَرْطُ خِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ هُمْ عَبِيدُهُ يَبِيعُ مِنْهُمْ