(وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْمُوَادَعَةُ بِغَيْرِ الْمَالِ فَكَذَا بِالْمَالِ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ بَلْ أَرْسَلُوا رَسُولًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ، أَمَّا إذَا أَحَاطَ الْجَيْشُ بِهِمْ ثُمَّ أَخَذُوا الْمَالَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ مَعْنًى (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَيُوَادِعُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْغَتَهُمْ، هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي.

وَمَنْ تَلَقَّى الْقِصَّةَ وَرَوَاهَا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا: «كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِهِ دَخَلَ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، فَمَكَثُوا فِي الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوْ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ هَذَا لَيْلٌ وَلَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَلَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَقَاتَلُوا خُزَاعَةَ مَعَهُمْ، وَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَنْشَدَهُ:

لَاهُمَّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا ... وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا

هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا

فَانْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ نَصْرًا عُتَّدَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نُصِرْت يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَتَجَهَّزُوا وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْمَى عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرُهُمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ» . وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ نَحْوَ هَذَا «وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ، قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْك مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ؟» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ، وَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَفِيهِ «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ فَقَالَ: إنَّهُمْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ فَأَنَا غَارٍ بِهِمْ» فِي النَّبْذِ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إعْلَامِهِمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ

(قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ) الْمُسْلِمُونَ (عَلَى ذَلِكَ مَالًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بِلَا مَالٍ فَبِالْمَالِ وَهُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا أَوْلَى، إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا يُوَادِعُهُمْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى. قَالَ شَارِحٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ: يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْجُعْلِ قَبْلَ بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَادَعَةَ تَجُوزُ وَأَخْذُ مَالِهِمْ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَالُ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَأَهِّبِينَ لِلْحَرْبِ لِقِلَّةِ الْعَدَدِ الْحَاضِرِ لِتَفَرُّقِ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْبِلَادِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جِهَادٌ، وَفِي أَخْذِ مَالِهِمْ كَسْرٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَتَقْلِيلٌ لِمَادَّتِهِمْ فَأَخْذُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْجِهَادِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015