(بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانَهُ) (وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] «وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ» ، وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْقَرَابَاتِ الْبُغَاةِ يُكْرَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُمْ كَالْأَبِ، وَأَمَّا فِي الرَّجْمِ إذَا كَانَ الِابْنُ أَحَدَ الشُّهُودِ فَيَبْتَدِئُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بِأَنْ يَرْمِيَهُ مَثَلًا بِحَصَاةٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانَهُ]
الْمُوَادَعَةُ الْمُسَالَمَةُ، وَهُوَ جِهَادٌ مَعْنًى لَا صُورَةً، فَأَخَّرَهُ عَنْ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِهَادَ، وَتَرْكُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ يَتَحَقَّقُ تَرْكُ الزِّنَا وَسَائِرُ الْمَعَاصِي مِمَّنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ أَصْلًا، وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِتَرْكِهَا فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِالْمُحَالِ (قَوْلُهُ وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ) بِمَالٍ وَبِلَا مَالٍ (وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَكِنَّ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِرُؤْيَةِ مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ بِآيَةٍ أُخْرَى هِيَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمُوَادَعَةِ مَصْلَحَةٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي السَّلْمِ كَسْرُ السِّينِ وَفَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [النساء: 90] وَمُقْتَضَى الْأُصُولِ أَنَّهَا إمَّا مَنْسُوخَةٌ إنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ بَعْدَهَا: أَيْ نَسْخَ الْإِطْلَاقِ وَتَقْيِيدَهُ بِحَالَةِ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ الْمُعَارَضَةِ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ تَرَجَّحَ مُقْتَضَى الْمَنْعِ. أَعْنِي آيَةَ {وَلا تَهِنُوا} [آل عمران: 139] كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي تَقْدِيمِ الْمُحَرَّمِ.