إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ
(وَيُكْرَهُ الْجُعَلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى، يُؤَيِّدُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدَّمَ فِيهِ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» وَفِيهِ عَنْ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْيَمَنِ، فَقَالَ: هَلْ لَك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: أَبَوَايَ، قَالَ: أَذِنَا لَك، قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» وَأَمَّا الْأَعْمَى وَالْأَقْطَعُ فَقَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] وَقَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] وَالْمُقْعَدُ الْأَعْرَجُ، قَالَهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْجَعْلُ) يُرِيدُ بِالْجَعْلِ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالزَّادِ (مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) وَهُوَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ فَيُسَمَّى غَنِيمَةً (لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ) وَهَذَا وَجْهٌ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْإِمَامِ بِخُصُوصِهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْجَعْلَ يُشْبِهُ الْأُجْرَةَ، وَحَقِيقَةُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ حَرَامٌ فَمَا يُشْبِهُهَا مَكْرُوهٌ يُوجِبُهَا عَلَى الْغَازِيِّ وَعَلَى الْإِمَامِ كَرَاهَةٌ تَسَبُّبِهِ فِي الْمَكْرُوهِ، وَحَقِيقَةُ الْجَعْلِ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْغَازِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِعِبَادَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ فَتَكُونُ كَالْحَجِّ، وَأَنَّ وُجُوبَ تَجْهِيزِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْجِهَازِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُعْطِيهِمْ اسْتِحْقَاقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَيْرَ كَافٍ لِلْجِهَازِ مَعَ حَاجَةِ الْمُقَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ ذَلِكَ عَلَى نِسْبَةِ عَدْلٍ (لِأَنَّ بِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ تَعَدِّي شَرِّ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ (بِإِلْحَاقِ) الضَّرَرِ (الْأَدْنَى) وَاسْتَأْنَسَ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ» (وَبِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ) أَمَّا «قِصَّةُ صَفْوَانَ فَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ يَطْلُبُ مِنْهُ أَدْرَاعًا عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى حُنَيْنٍ. فَفِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْعٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ إذْ ذَاكَ