فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ، وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ) (يَكُونُ النَّفِيرُ عَامًّا) فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُنْسَخْ، فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ لَا قَائِلَ أَنَّ بِقِتَالِ آخِرِ الْأُمَّةِ الدَّجَّالَ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْجِهَادِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ مُجَرَّدًا ابْتِلَاءَ الْمُكَلَّفِينَ بَلْ إعْزَازُ الدِّينِ، وَدَفْعُ شَرِّ الْكُفَّارِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] (فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِالْبَعْضِ سَقَطَ) هُوَ لِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ (كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) الْمَقْصُودُ مِنْهَا قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ.
وَذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ تَمَسُّكًا بِعَيْنِ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ إذْ بِمِثْلِهَا يَثْبُتُ فُرُوضُ الْأَعْيَانِ. قُلْنَا: نَعَمْ لَوْلَا قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا لَاشْتَغَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهِ فَيَتَعَطَّلُ الْمَعَاشُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى بِالزِّرَاعَةِ وَالْجَلْبِ بِالتِّجَارَةِ وَيَسْتَلْزِمُ (قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ) يَعْنِي الْخَيْلَ (وَالسِّلَاحِ) وَالْأَقْوَاتِ فَيُؤَدِّي إيجَابُهُ عَلَى الْكُلِّ إلَى تَرْكِهِ لِلْعَجْزِ (فَلَزِمَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَزِمَ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ أَنْ يَخْرُجَ الْكُلُّ مِنْ الْأَمْصَارِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمًا بَلْ يَكُونُ كَالْحَجِّ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا يَخْرُجُ الْكُلُّ بَلْ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْرُجَ فَفِي مَرَّةٍ طَائِفَةٌ وَفِي مَرَّةٍ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَهَكَذَا، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْمَعَاشِ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ نَصُّ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] ثُمَّ هَذَا (إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا، فَإِنْ كَانَ) بِأَنْ هَجَمُوا عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (فَيَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا فَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ النَّفْرُ، وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَهْلِهَا كِفَايَةٌ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِمَّنْ يَقْرُبُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْ يَقْرُبُ كِفَايَةٌ أَوْ تَكَاسَلُوا أَوْ عَصَوْا، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى جَمِيعِ