قَالَ (الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعٍ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أَجْرَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ «وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ثِقَاتٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ، وَنَفَقَتُهُ الدِّينَارَ، وَالدِّرْهَمُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ» هَذَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الرِّبَاطُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَكَان فَفِي النَّوَازِلِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَوْ كَانَ رِبَاطًا فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ مُرَابِطُونَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى مَوْضِعٍ مَرَّةً يَكُونُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ رِبَاطًا إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِذَا أَغَارُوا مَرَّتَيْنِ يَكُونُ رِبَاطًا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَإِذَا أَغَارُوا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَكُونُ رِبَاطًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى: وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ مَحَلِّ الرِّبَاطِ مَا وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ ذُكِرَ فِي حَدِيثٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَطَوِّعًا لَا يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنِهِ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] » رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. وَفِيهِ لِينٌ مُحْتَمَلٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَلَيْسَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ، فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا سِوَى الْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلْنَخْتِمْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغَبَّرَةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»
(قَوْلُهُ الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ