وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ

(وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى.

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى بِخُصُوصِهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى بَاقِي الْحُدُودِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ، وَسَائِرُ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَعَنْهُمَا تَسْقُطُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ.

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ شَبَهُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهَا إذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى رَدِّ الْمَالِ فَأَخَذَ الْقَاطِعُ قَبْلَ الرَّدِّ أُخِذَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَالْأَخْذُ قَبْلَ التَّوْبَةِ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فِيهِ الْحَدُّ بِقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ.

أُجِيبَ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ تَوْبَتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ فَيَجِبُ الضَّمَانُ لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي أَوْ اسْتَهْلَكَهُ؛ وَمِثْلُ مَا لَوْ أُخِذُوا بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَالرُّجُوعِ إلَى الْقِصَاصِ وَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِ وَفِي الْمَالِ مَا لَوْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَدْ قَتَلُوا، وَلَكِنْ أَخَذُوا مِنْ الْمَالِ قَلِيلًا لَا يُصِيبُ كُلًّا نِصَابٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا قِصَاصًا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا. وَقَالَ عِيسَى: يَقْتُلُهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ قَتَلَهُمْ حَدًّا لَا قِصَاصًا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ كَالْعَدَمِ، وَلِأَنَّهُ تَتَغَلَّظُ جِنَايَتُهُمْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ.

وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُمْ يَقْصِدُونَ بِالْقَطْعِ أَخْذَ الْمَالِ، وَقَتْلُهُمْ لَيْسَ إلَّا لِيَصِلُوا إلَيْهِ، فَإِذَا تَرَكُوا أَخْذَ الْمَالِ عَرَفْنَا أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقَتْلُ لَا الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ إلَّا لِلْمَالِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْقِصَاصِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَتَظْهَرُ أَحْكَامُ الْقِصَاصِ وَتَضْمِينُ الْمَالِ وَالْجِرَاحَاتِ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ: تَابُوا وَفِيهِمْ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ فَدَاهُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قِصَاصٌ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَبْقَى حُكْمُ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا عَمْدٌ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ) الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ (يُحَدُّ الْبَاقُونَ) وَإِنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَى الْبَاقِينَ.

وَقِيلَ كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ قَالَ الْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، أَوْ يَقُولُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: الْعُقَلَاءُ عَنْ الْبَالِغِينَ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ مِمَّا يُقَالُ فِي مُقَابِلَةِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ (وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى) إنْ وَلِي الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015