السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّعْلِيمِ تَرَتُّبُ أَسْبَابِهَا فِي الْمَفَاسِدِ، فَمَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَعْظَمَ يُقَدَّمُ عَلَى مَا هُوَ أَخَفُّ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ أَهَمُّ. وَأَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ النَّفْسِ وَهُوَ الزِّنَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهِ قَتْلًا مَعْنًى. وَيَلِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْعَقْلِ وَهُوَ الشُّرْبُ لِأَنَّهُ كَفَوَاتِ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَدِيمَ الْعَقْلِ لَا يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ كَعَدِيمِ النَّفْسِ. وَيَلِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الْعَرْضِ وَهُوَ الْقَذْفُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الذَّاتِ يُؤَثِّرُ فِيهَا وَيَلْزَقُ أَمْرًا قَبِيحًا. وَيَلِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ الْأَمْرُ الْمَخْلُوقُ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ وَالْعِرْضِ فَكَانَ آخِرًا فَأَخَّرَهُ. وَلِلسَّرِقَةِ تَفْسِيرٌ لُغَةً وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَمِعَ مُسْتَخْفِيًا.
وَفِي الشَّرِيعَةِ هِيَ هَذَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا زِيدَ عَلَى مَفْهُومِهَا قُيُودٌ فِي إنَاطَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ أَقَلِّ مِنْ النِّصَابِ خُفْيَةً سَرِقَةٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الشَّرْعُ بِهِ حُكْمَ الْقَاطِعِ فَهِيَ شُرُوطٌ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَإِذْ قِيلَ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْأَخْذُ خُفْيَةً مَعَ كَذَا وَكَذَا لَا يَحْسُنُ، بَلْ السَّرِقَةُ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ هِيَ أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مِقْدَارَهَا خُفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَمَوَّلِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ، وَتُعَمَّمُ الشُّبْهَةُ فِي التَّأْوِيلِ قِيلَ: فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ذِي الرَّحِمِ الْكَامِلَةِ، وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَالصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَمَا قِيلَ هِيَ فِي مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ.
وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْأَفْعَالِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا فِي الشَّرْعِ لِلدُّعَاءِ وَالْأَفْعَالُ شَرْطُ قَبُولِهِ؛ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ الدُّعَاءُ قَطُّ، هَذَا وَسَيَأْتِي فِي السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ) يَعْنِي الْخُفْيَةَ (مُرَاعًى فِيهَا إمَّا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً) وَذَلِكَ فِي سَرِقَةِ النَّهَارِ فِي الْمِصْرِ (أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرَ) وَهِيَ فِي سَرِقَةِ اللَّيْلِ، فَلِذَا إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ لَيْلًا خُفْيَةً ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً وَلَوْ بَعْدَ مُقَاتَلَةٍ مِمَّنْ فِي يَدِهِ قُطِعَ بِهِ