(وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا عُزِّرَ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٍ بِعِلَّةِ النِّيَابَةِ عَنْ اللَّهِ.

وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ عَمَّنْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ أَيَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ عَنْ الزِّنَا بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا يَقْتُلُهُ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ قَتْلُهَا أَيْضًا. وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ تَعْزِيرٌ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا، وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ. وَالشَّارِعُ وَلَّى كُلَّ أَحَدٍ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» الْحَدِيثَ. بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ تَوْلِيَتُهَا إلَّا لِلْوُلَاةِ، وَبِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ، ثُمَّ التَّعْزِيرُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ وَاجِبًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنِّي لَقِيت امْرَأَةً فَأَصَبْت مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَطَأَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَصَلَّيْت مَعَنَا؟ قَالَ نَعَمْ، فَتَلَا عَلَيْهِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] » وَقَالَ فِي الْأَنْصَارِيِّ: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» «وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِلزُّبَيْرِ فِي سَقْيِ أَرْضِهِ فَلَمْ يُوَافِقْ غَرَضَهُ إنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك، فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُعَزِّرْهُ» .

وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ بَعْدَ مُجَانَبَةِ هَوَى نَفْسِهِ الْمَصْلَحَةَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُزْجَرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ كَالْحَدِّ، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ وَهُوَ مَحْمَلُ حَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصَابَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَهُوَ نَادِمٌ مُنْزَجِرٌ، لِأَنَّ ذِكْرَهُ لَهُ لَيْسَ إلَّا لِلِاسْتِعْلَامِ بِمُوجِبِهِ لِيَفْعَلَ مَعَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّبَيْرِ فَالتَّعْزِيرُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجُوزُ تَرْكُهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: التَّعْزِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ: يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَبُهُ يَحْلِفُ وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ، فَحَقُّ الْعَبْدِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا ذُكِرَ.

وَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ. فَإِنْ قُلْت: فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ: إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلُ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا فَلَا يُعَزَّرُ. فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي فِيهَا مِنْ إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا قُلْت مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُنَاقَضَةَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي التَّعْزِيرِ.

وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ: يَعْنِي بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ حِينَئِذٍ بِالضَّرْبِ، وَيُمْكِنُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ حَقِّ آدَمِيٍّ مِنْ الشَّتْمِ وَهُوَ مُمْكِنٌ يَكُونُ تَعْزِيرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتُمُ النَّاسَ: إذَا كَانَ لَهُ مُرُوءَةٌ وُعِظَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ حُبِسَ. وَإِنْ كَانَ سَبَّابًا ضُرِبَ وَحُبِسَ: يَعْنِي الَّذِي دُونَ ذَلِكَ، وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا عُزِّرَ) بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عَلَى قَوْلِ دَاوُد فِي الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الذِّمِّيَّةِ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ قَالَ: يُحَدُّ بِهِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015