وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ زَجْرَ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ إذْ هُوَ فِي الْعُقُوبَةِ أَقْصَاهَا وَزَجْرُهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ هَلَاكِهِ.
قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ بَابِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجَبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَجْمٌ أَوْ رَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ» يَجِبُ قَطْعًا كَوْنُهُ مَنْسُوخًا.
قَالَ (وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يُعْرِي عَنْ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الِانْزِجَارُ أَوْ قَصْدُ الِانْزِجَارِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا كَانَ لَاحِقًا كَانَ الْجَلْدُ خُلُوًّا عَنْ الْفَائِدَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا الْحَدُّ وَالنَّسْخُ قَدْ تَحَقَّقَ فِي حَقِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلًا الْأَذَى بِاللِّسَانِ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي حَقِّهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلَى قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» وَإِلَّا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ. وَالصَّوَابُ
مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فَلَزِمَ نَسْخُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خُصُوصُ النَّاسِخِ. وَأَمَّا جَلْدُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرَاحَةَ ثُمَّ رَجْمُهَا فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إحْصَانُهَا إلَّا بَعْدَ جَلْدِهَا، أَوْ هُوَ رَأْيٌ لَا يُقَاوِمُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَطْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(قَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) وَكَذَا أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَلَهُ فِي الْعَبْدِ أَقْوَالٌ يُغَرَّبُ سَنَةً، نِصْفَ سَنَةٍ، لَا يُغَرَّبُ أَصْلًا. وَأَمَّا تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ فَمَعَ مَحْرَمٍ وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلٍ، وَفِي بَيْتِ الْمَالِ فِي قَوْلٍ. وَلَوْ امْتَنَعَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبِرُهُ الْإِمَامُ، وَفِي قَوْلٍ لَا.
وَلَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ آمِنَةً فَفِي تَغْرِيبِهَا بِلَا مَحْرَمٍ قَوْلَانِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي» الْحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ (وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّاعِيَةُ إلَى ذَلِكَ، وَلِذَا قِيلَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْعَرَبِ: مَا حَمَلَك عَلَى الزِّنَا مَعَ فَضْلِ عَقْلِك؟ قَالَتْ: طُولُ السَّوَادِ وَقُرْبُ الْوِسَادِ.
وَالسَّوَادُ الْمُسَارَّةُ مِنْ سَاوَدَهُ إذَا سَارَّهُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2]