(وَقَدْ يُضْمِرُ الْحَرْفَ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا) لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إيجَازًا، ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ لِانْتِزَاعِ الْحَرْفِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ يُخْفَضُ فَتَكُونُ الْكِسْرَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ الْبَاءَ تُبَدَّلُ بِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] . أَيْ آمَنْتُمْ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} [النحل: 63] الْآيَةَ. وَمَثَّلَ لِلْبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَبْلَهُ {لا تُشْرِكْ} [لقمان: 13] ثُمَّ قَالُوا الْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ، وَالْأَصْلُ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ تُلْصِقُ فِعْلَ الْقَسَمِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ. ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ فَهْمِ الْمَقْصُودِ، وَلِأَصَالَتِهَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ بِك لَأَفْعَلَنَّ.

ثُمَّ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا لِمُنَاسَبَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ فَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ أُبْدِلَتْ كَثِيرًا مِنْهَا كَمَا فِي تُجَاهٍ وَتُخَمَةِ وَتُرَاثٍ فَانْحَطَّتْ دَرَجَتَيْنِ فَلَمْ تَدْخُلْ مِنْ الْمُظْهَرِ إلَّا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَرَبِّي وَتَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَكَذَا تَحِيَّاتِكَ. [فَرْعٌ] . قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ لَيْسَ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَعَلَى هَذَا بِالْوَاوِ إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ وَاسْمِ اللَّهِ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُضْمَرُ الْحَرْفُ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ) يُرِيدُ بِالْحَذْفِ الْإِضْمَارَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ النَّصْبِ الْحَرْفُ مَحْذُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ. وَفِي حَالَةِ الْجَرِّ مُضْمَرًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْجَرُّ فِي الِاسْمِ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ لِانْتِزَاعِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ يُخْفَضُ فَتَكُونُ الْكَسْرَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَحْذُوفِ ظَاهِرٌ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ تَبَعٌ لِلْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: النَّصْبُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْخَفْضُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا وَجْهَانِ سَائِغَانِ لِلْعَرَبِ لَيْسَ أَحَدٌ يُنْكِرُ أَحَدَهُمَا لِيَتَأَتَّى الْخِلَافُ. وَحُكِيَ الرَّفْعُ أَيْضًا نَحْوُ اللَّهُ لَا أَفْعَلَنَّ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ قَسَمِي اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، غَيْرَ أَنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

وَقَوْلُهُ فِي النَّصْبِ؛ لِانْتِزَاعِ الْخَافِضِ خِلَافُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ بِفِعْلِ الْقَسَمِ لَمَّا حُذِفَ الْحَرْفُ اتَّصَلَ الْفِعْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ عِنْدَ انْتِزَاعِ الْخَافِضِ: أَيْ بِالْفِعْلِ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الْجَرُّ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِالْحَرْفِ الْمُضْمَرِ. وَهُوَ قَلِيلٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ:

إذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبِيلَةً ... أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالْأَكُفِّ الْأَصَابِعُ

أَيْ إلَى كُلَيْبٍ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُبْدَلُ بِهَا) أَيْ بِاللَّامِ قَالَ تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] {آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 76] وَالْقِصَّةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015