وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ: هَذَا جَدِّي قِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ. بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِثَالِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا فَرْعُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ، وَتَعَلُّقُ الْخِطَابِ دَائِرٌ مَعَ الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ كَالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْمَسِّ وَالتَّيَمُّمِ لِلْوُضُوءِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا خَلَفٌ اسْتَحَالَ أَصْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ إذْ ذَاكَ، وَلَمْ تَجِبْ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْبِرِّ، وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ لُزُومِ إمْكَانِ مَحَلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخَلَفِهِ، وَلُزُومِ إمْكَانِ مَعْنًى وُضِعَ لَهُ لَفْظٌ لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَجَازًا، وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ الْأَصْلِيِّ هُوَ وُجُوبُ الْبِرِّ لَا الْبِرُّ نَفْسُهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ بِاللَّفْظِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ مَرَّةً فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَأُخْرَى فِيمَا لَمْ يُوضَعْ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا لِذَلِكَ سِوَى وُجُودِ مُشْتَرَكٍ يَجُوزُ التَّجَوُّزُ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ شَيْئًا سِوَى إلَى إدْرَاكِ الْحَقِيقِيِّ، ثُمَّ الْحَاجَةُ إلَى إدْرَاكِهِ لَيْسَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِتُسْتَعْلَمَ الْعَلَاقَةُ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُتَصَوَّرْ لَمْ تُعْلَمْ الْعَلَاقَةُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مُجَرَّدِ فَهْمِهِ أَيْضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ. فَاشْتِرَاطُ إمْكَانِ وُجُودِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْخَارِجِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَلْ اللُّغَةُ تَنْفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَجُوزَ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّهُ وِزَانُ هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ، فَإِنَّ مَعْنَى الْمُرَكَّبِ الْحَقِيقِيِّ مُسْتَحِيلٌ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِنْسَانِ أَسَدًا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِهِ بَلْ وَعَلَى بَلَاغَتِهِ.
وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا مُسْتَعَارٌ بِجُمْلَتِهِ، بِخِلَافِ هَذَا أَسَدٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي نِسْبَتِهِ دُونَ الْأَلْفَاظِ مَمْنُوعٌ. وَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَتَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَلِلْكَلَامِ طَرِيقٌ يُتَجَوَّزُ بِهِ فِيهِ تَعَيَّنَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذْ لَا مُزَاحِمَ كَيْ لَا يُلْغِي كَلَامَ الْعَاقِلِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي مَعْنَى عَتَقَ عَلِيٌّ مِنْ حِينَ مَلَكْته اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ عَتَقَ دِيَانَةً قَضَاءً وَإِلَّا فَقَضَاءً، وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، بِخِلَافِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ تُخْلَقَ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ فِيهِ إلَى الْمَجَازِ فَلَغَا ضَرُورَةً.
وَقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ مَقِيسٍ آخَرَ لَهُمَا، وَهُوَ إذَا كَانَ قَالَ لِآخَرَ قَطَعْت يَدَك خَطَأً فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْغُو هَذَا الْكَلَامُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِعَدَمِ إمْكَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ. فَأَجَابَ بِأَنَّ لَغْوَهُ لَيْسَ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ لِتَعَذُّرِ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي انْقَطَعَ سَبَبُهُ مَالٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْأَرْشُ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا عَنْ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اللَّفْظِ تَجَوُّزًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ. وَاَلَّذِي يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَالِ لَيْسَ الْقَطْعُ سَبَبًا لَهُ فَامْتَنَعَ إيجَابُ الْمَالِ مُطْلَقًا فَلَغَا ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ ذَاتُهَا حَاصِلَةً عَنْ لَفْظِ حُرٍّ أَوْ لَفْظِ ابْنِي، فَأَمْكَنَ الْمَجَازِيُّ حِينَ تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ اللَّغْوِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ هَذَا أَبِي إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ: