(وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ) بِآخِرِ الْآيَةِ.
(وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكُمِّلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ: لَوْ اسْتَطَعْتُ لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُورِثَةٌ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
أَيْ مِنْ أَطْهَارِهِنَّ لِلشُّغْلِ بِالْغَزْوِ عَنْهُنَّ لَا يُوجِبُ الْقَصْرَ عَلَيْهِ.
وَكَذَا الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكَ» لَا يُوجِبُهُ.
فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «فَانْظُرِي فَإِذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي وَصَلِّي» وَقَالَ الرَّاجِزُ:
يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ وَضَبٍّ فَارِضٍ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ
يُرِيدُ كَحَيْضِ الْحَائِضِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ عَدَاوَتَهُ تَجْتَمِعَ فَتَهِيجُ كَدَمِ الْحَائِضِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي بَيْتِ الْأَعْشَى: إنَّ الْمُرَادَ نَفْسَ الزَّمَانِ: أَيْ زَمَانِ الطُّهْرِ، فَإِنَّ الْقُرْءَ يُقَالُ لِلزَّمَانِ لُغَةً كَثِيرًا، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» يَعْنِي بِالْأَمْرِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِيهِ بِمَعْنَى فِي وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَيَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمُ الْعِدَّةِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ مُقَارَنَةٌ لَهُ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَهُ فِي وَقْتِ الْعِدَّةِ وَقِرَاءَةُ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَنْفِيهِ إذْ أَفَادَتْ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ مُفِيدَةٌ مَعْنَى اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مُحَقَّقٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ فِي التَّارِيخِ بِإِجْمَاعِ الْعَرَبِيَّةِ خَرَجَ لِثَلَاثٍ بَقَيْنَ وَنَحْوُهُ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ ابْنَ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ فَلَمْ يُفْهَمْ أَنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ عَنْهُ مِنْ خِلَافِ مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَتَمَسُّكُهُمْ بِتَأْنِيثِ الْعَدَدِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَهُوَ يَقْتَضِي تَذْكِيرَ الْمَعْدُودِ وَالطُّهْرُ هُوَ الْمُذَكَّرُ لَا الْحَيْضُ، فَلَوْ أُرِيدَ الْحَيْضُ لَقِيلَ: ثَلَاثَ قُرُوءٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ لَهُ اسْمَانِ مُذَكَّرٌ كَالْبُرِّ وَالْحِنْطَةِ وَلَا تَأْنِيثَ حَقِيقِيَّ يُؤَنَّثُ عَدَدُهُ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّفْظِ الْمُذَكَّرِ وَيُذَكَّرُ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُؤَنَّثِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مُؤَنَّثًا وَاللَّفْظُ مُذَكَّرًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ لِلدَّمِ اسْمَيْنِ مُذَكَّرًا وَهُوَ الْقُرْءُ وَمُؤَنَّثًا وَهُوَ الْحَيْضُ فَحِينَ أُضِيفَ إلَى الْمُذَكَّرِ أُنِّثَ، وَكَذَا عَلَى الْأَصْلِ الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّمَ مُذَكَّرٌ وَالْقُرْءَ مُذَكَّرٌ فَيُؤَنَّثُ عَدَدُهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ) : أَيْ الْعَدَدِ فَإِنَّهُ جَمْعٌ مَعْنًى لَا صِيغَةً، أَوْ يُرِيدُ الْجَمْعَ الصِّيغِيَّ الْمَقْرُونَ بِالْعَدَدِ تَنْصِيصًا عَلَى الْمُرَادِ بِكَمِّيَّتِهِ: أَعْنِي لَفْظَ قُرُوءٍ الْمُقَيَّدَةَ بِثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرَ الْكَمِّيَّةِ الْعَدَدِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْ كَمِّيَّاتِ الْجُمُوعِ، فَكَيْفَ بِالْكَمِّيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ حَقِيقَةَ الْجَمْعِ وَهِيَ اللَّازِمَةُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَطْهَارِ حَيْثُ يَصِيرُ طُهْرَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ إذَا وَقَعَ فِي الطُّهْرِ وَإِلَّا لَزِمَ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، إذْ كُلُّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الطُّهْرُ قَالَ: تُحْتَسَبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ نَقْصٌ عَنْ التَّقْدِيرِ الْقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ وَالثُّبُوتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حُمِلَ عَلَى الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ لَا يُحْتَسَبُ بِتِلْكَ