. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْمُحَلَّى فَيَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ قَالَ الْجَصَّاصُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَا يُعْرَفُ لَهَا وَجْهٌ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ ذُكِرَ لِلتَّأَكُّدِ وَنَفْيِ الْمَجَازِ لَا لِلْإِيقَاعِ. أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَاقٍ وَالطَّلَاقِ.
وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ: مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ:
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ لَا آمَنُ الْغَلَطَ فِيهَا، فَأَتَى الْكِسَائِيَّ فَسَأَلَهُ، فَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةُ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَاَلَّذِي نَقْلُهُ أَهْلُ الثَّبْتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ، وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ.
فَفِي الْمَبْسُوطِ: ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا قَوْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ:
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ؟
فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ، إنْ قَالَ: ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثًا مَنْصُوبًا يَقَعُ ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَهُ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءَ حَالٍ فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا قَالَ: ثَلَاثًا مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَيَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ، لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَفْسِيرٌ لِمَا وَقَعَ، فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ: الصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ أَلْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوَ زَيْدٌ الرَّجُلُ: أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ.
وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ: أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةُ ثَلَاثٍ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، إذْ لَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةَ ثَلَاثِ، فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ يَقَعُ الثَّلَاثُ. وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَاحِدَةٌ.
وَأَمَّا النَّصْبُ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمْلَةِ. وَكَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا، فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ فَالثَّلَاثُ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ
فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ
انْتَهَى.
وَتَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ فِي إرَادَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إنْ كَانَ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَ. بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَيَقَعَ وَاحِدَةٌ أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعَ الثَّلَاثُ وَلِهَذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ، فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا