(وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ بِالْإِشَارَةِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْهُودَةً فَأُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَسَتَأْتِيكَ وُجُوهُهُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQاُعْتُبِرَتْ عِبَارَاتُهُ.
وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ
(قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَفْهُومَةً فَكَانَتْ كَالْعِبَارَةِ) فِي الدَّلَالَةِ اسْتِحْسَانًا فَيَصِحُّ بِهَا نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْهُ ذَلِكَ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ جُوعًا وَعَطَشًا وَعُرْيًا، ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهَا مِنْهُ فِي الْعِبَادَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ كَانَ صَحِيحًا مُعْتَبَرًا فَكَذَا فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِشَارَةِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ الْإِشَارَةُ الْمَقْرُونَةُ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ وَيَتَّصِلُ بِمَا ذَكَرْنَا كِتَابَةُ الطَّلَاقِ، وَالْأَخْرَسُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ، فَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْكَلَامِ قَادِرٌ عَلَى الْكِتَابِ، فَهُوَ وَالصَّحِيحُ فِي الْكِتَابِ سَوَاءٌ، وَسَنُفَصِّلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْصُولًا بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ) فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَهِيَ أَمَةٌ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِثَلَاثٍ. وَنُقِلَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ لَهُ: أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثًا كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ؟ قَالَ: يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَوْقَعَ أُخْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ لَهُ حَسْبُك. قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ، وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» قَابَلَ بَيْنَهُمَا، وَاعْتِبَارُ الْعِدَّةِ بِالنِّسَاءِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَكَذَا مَا قُوبِلَ بِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ أَنْسَبُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِيقَاعُ بِالرِّجَالِ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ «أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -