«سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَجْعَلَ يَوْمَ نَوْبَتِهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» (وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي فِي الْمُسْتَدْرِكِ يُفِيدُ عَدَمَهُ، وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَالَتْ سَوْدَةُ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا» قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فَفِيهَا وَفِي أَشْبَاهِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ} [النساء: 128] الْآيَةَ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَيُوَافِقُ مَا فِي الْكِتَابِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَالِي إلَى الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ، قَالَ: فَرَاجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» اهـ وَهُوَ مُرْسَلٌ.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ بَلْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَافَتْ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْحَالُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ فَيُفَارِقُهَا، وَلَا يُنَافِيهِ بَلَاغُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْكِنَايَاتِ اعْتَدِّي، وَالْوَاقِعُ بِهَذِهِ الرَّجْعِيُّ لَا الْبَائِنُ. وَفَرَّعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِذَا جَعَلَتْهُ لِضَرَّتِهَا الْمُعَيَّنَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ حَقُّهَا فَإِذَا صَرَفَتْهُ لِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَ. وَفَرَّعُوا إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ قَسَمَ لَهَا لَيْلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهَا فَهَلْ لَهُ نَقْلُهَا فَيُوَالِي لَهَا لَيْلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الَّتِي تَلِيهَا فِي النَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ) قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَإِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ: يَعْنِي عَنْ الطَّلَاقِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى صُلْحًا: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128] فَيَلْزَمُ كَمَا يَلْزَمُ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَوْ مُكِّنَتْ مِنْ طَلَبِ حَقِّهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ الضَّرَرِ إلَى أَكْمَلِ حَالَتَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صُلْحًا بَلْ مِنْ أَقْرَبِ أَسْبَابِ الْمُعَادَاةِ، وَالشَّرِيعَةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِمَا مَضَى فِيهِ وَبِهِ نَقُولُ، إذْ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّةِ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ الْإِعْرَاضِ أَمَّا فِيمَا بَعْدَهُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ؟ فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ ثُبُوتُ الضَّرَرِ وَالْمُعَادَاةِ، قُلْنَا: لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ طَرِيقُ الْخَلَاصِ وَقَدْ كَانَ يُرِيدُ طَلَاقَهَا لَوْلَا مَا صَالَحَتْهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَتْلَفَتْ مَا دَفَعَتْ بِهِ الْمَكْرُوهَ عَنْهَا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ يُرِيدُ فِعْلَهُ وَيَحْصُلُ الْخَلَاصُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فُرُوعٌ نَخْتِمُ بِهَا كِتَابَ النِّكَاحِ]
لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الضَّرَائِرِ إلَّا بِالرِّضَا، وَيُكْرَهُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى فَلَهَا أَنْ لَا تُجِيبَهُ إذَا طَلَبَ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ، وَمِنْ الْغَزْلِ، وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزَيُّنِ بِمَا يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ كَأَنْ يَتَأَذَّى بِرَائِحَةِ الْحِنَّاءِ الْمُخَضَّرِ وَنَحْوِهِ، وَلَهُ ضَرْبُهَا بِتَرْكِ الزِّينَةِ إذَا كَانَ يُرِيدُهَا وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَالصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً فَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عِنْدَنَا، وَيَضْرِبُهَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِلَا إذْنٍ إلَّا إنْ احْتَاجَتْ إلَى الِاسْتِفْتَاءِ فِي حَادِثَةٍ وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ