. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبِينُ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِرَارًا وَوَلَدَتْ. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ حِينَ خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً إلَى الْمَدِينَةِ، وَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ.
وَاسْتَمَرَّ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى شِرْكِهِ إلَى مَا قُبَيْلَ الْفَتْحِ فَخَرَجَ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، فَأَخَذَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا ثُمَّ دَخَلَ بِلَيْلٍ عَلَى زَيْنَبَ فَأَجَارَتْهُ، «ثُمَّ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّرِيَّةَ فَرَدُّوا إلَيْهِ مَالَهُ» ، فَاحْتُمِلَ إلَى مَكَّةَ فَأَدَّى الْوَدَائِعَ وَمَا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ أَبْضَعُوا مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلًا أَمِينًا كَرِيمًا، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ عُلْقَةٌ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْت مِنْهَا أَسْلَمْت، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمَا ذُكِرَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَذَلِكَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حِينِ فَارَقَتْهُ بِالْأَبْدَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَقَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ آمَنَتْ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إلَى إسْلَامِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ نَزَلَتْ {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فَأَكْثَرُ مِنْ عَشْرٍ. هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ حَابِسَهَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ أُسِرَ فِيمَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ «وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَرْسَلَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ الْأَسَارَى أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَائِهِ قِلَادَةً كَانَتْ خَدِيجَةُ أَعْطَتْهَا إيَّاهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَّ لَهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهَا وَأَطْلَقَهُ لَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جَهَّزَهَا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ وَاتَّفَقَ فِي مَخْرَجِهَا إلَيْهِ مَا اتَّفَقَ مِنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ» . وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ اثْنَانِ وَبِهِ نَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ عَلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ كَمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَوَجَبَ تَأْوِيلُ رِوَايَةِ «عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ» كَمَا ذَكَرْنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَتَّصِفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِكُفْرٍ لِيُقَالَ آمَنَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً، فَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ فَلَزِمَ أَنَّهُنَّ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُنَّ قَطُّ إلَّا مُسْلِمَةً، نَعَمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْإِسْلَامُ اتِّبَاعُ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمِنْ حِينِ وَقَعَ الْبَعْثَةُ لَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ إلَّا بِإِنْكَارِ الْمُنْكِرِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وَمِنْ أَوَّلِ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَوْلَادِهِ لَمْ تَتَوَقَّفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ، وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تُفِيدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أَصَبْنَا سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ حِلُّ الْمَمْلُوكَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ زَوْجٍ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَاةُ مُتَزَوِّجَةً فَخَارِجَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى مَا سِوَاهَا دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ مَعَ زَوْجِهَا تُخَصُّ أَيْضًا بِدَلِيلِنَا وَبِمَا نَذْكُرُهُ تَبْقَى الْمَسْبِيَّةُ وَحْدَهَا ذَاتَ بَعْلٍ وَبِلَا بَعْلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ. فَالْجَوَابُ مَنْعُ وُجُودِ التَّبَايُنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةً مِنْهُ هُوَ التَّبَايُنُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ يَصِيرُ الْكَائِنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقَسَّمَ مِيرَاثُهُ، وَالْكَائِنُ فِي دَارِنَا مَمْنُوعًا مِنْ الرُّجُوعِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْمُسْتَأْمَنِ. وَإِذَا كَافَأَ مَا ذَكَرَ بَقِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى اللَّازِمِ لِلتَّبَايُنِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ