. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا يَرَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَبِّبِينَ إلَيْهِ الْمَدْعُوِّ لَهُ كَيْفَ اتَّخَذَ الطَّائِفَ دَارًا وَقَالَ: لَأَنْ أُذْنِبَ خَمْسِينَ ذَنْبًا بِرُكْبَةٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الطَّائِفِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُذْنِبَ ذَنْبًا وَاحِدًا بِمَكَّةَ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا مِنْ بَلْدَةٍ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ فِيهَا بِالْهِمَّةِ قَبْلَ الْعَمَلِ إلَّا مَكَّةُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لِلَّذِي جَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَطْلُبُ الْعِلْمَ: ارْجِعْ إلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّا نَسْمَعُ أَنَّ سَاكِنَ مَكَّةَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَكُونَ الْحَرَمُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحِلِّ لِمَا يَسْتَحِلُّ مِنْ حُرُمِهَا.
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: خَطِيئَةٌ أُصِيبُهَا بِمَكَّةَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ خَطِيئَةً بِغَيْرِهَا. نَعَمْ أَفْرَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ اسْتَخْلَصَهُمْ وَخَلَّصَهُمْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الطِّبَاعِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَهْلُ الْجِوَارِ الْفَائِزُونَ بِفَضِيلَةٍ مِنْ تَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ وَالصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ مَا يُحْبِطُهَا مِنْ الْخَطِيئَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْته: يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ» وَقَالَ سَمِعْته يَقُولُ «مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمًا وَلَا وَضَعَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ» .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ فَصَامَهُ وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا، وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَبِكُلِّ لَيْلَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَكُلِّ يَوْمٍ حُمْلَانَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَلَكِنَّ الْفَائِزَ بِهَذَا مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ إحْبَاطِهِ أَقَلُّ الْقَلِيلِ، فَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِمْ وَلَا يَذْكُرُ حَالُهُمْ قَيْدًا فِي جَوَازِ الْجِوَارِ لِأَنَّ شَأْنَ النُّفُوسِ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى دَعْوَى الْمَلَكَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَا يَشْتَرِطُ فِيمَا تَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَتَطْلُبُهُ، وَإِنَّهَا لَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ إذَا حَلَفْت فَكَيْفَ إذَا ادَّعَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ أَوْ تَعَاظُمَهَا وَإِنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوَاجِبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ. وَهُوَ أَيْضًا مَانِعٌ إلَّا لِلْأَفْرَادِ ذَوِي الْمَلَكَاتِ فَإِنَّ مَقَامَهُمْ وَمَوْتَهُمْ فِيهَا هِيَ السَّعَادَةُ الْكَامِلَةُ. فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا» .
[الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ: فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ أَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ وَفِي مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ لِمَنْ لَهُ سِعَةٌ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تَعْمَلُهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» هَذَا وَالْحَجُّ إنْ كَانَ فَرْضًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ ثُمَّ يُثْنِي بِالزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا كَانَ بِالْخِيَارِ، فَإِذَا نَوَى زِيَارَةَ الْقَبْرِ فَلْيَنْوِ مَعَهُ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ: أَيْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -