وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّبْعِ عُرْفًا وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ (وَلَا يُجَاوَزُ بِقِيمَتِهِ شَاةٌ) وَقَالَ زُفَرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ اعْتِبَارًا بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ الشَّاةُ»
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنَعْنَا أَنَّ الْحُكْمَ بِاعْتِبَارِهِ وَأَسْنَدْنَاهُ بِإِخْرَاجِ الذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَعِيشُ مُخَالِطًا. وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ يَصْلُحُ إلْزَامِيًّا لِلْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عِنْدَهُمْ وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الْمَسْكُوتِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ.
فُهِمَ مَنْعُ الضَّرْبِ مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ، وَلَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ السِّبَاعِ بِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ مِنْ الْفَوَاسِقِ بَلْ غَايَتُهُ الْمُمَاثَلَةُ. وَأَمَّا إثْبَاتُ مَنْعِ قَتْلِهَا عَلَى أُصُولِنَا فَفِيهِ مَا سَمِعْت، وَلَعَلَّ لِعَدَمِ قُوَّةِ وَجْهِهِ كَانَ فِي السِّبَاعِ رِوَايَتَانِ كَمَا هُوَ فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صُيُودٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَسَدَ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ. وَفِي الْعَتَّابِيِّ: لَا شَيْءَ فِي الْأَسَدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْبَدَائِعِ التَّصْرِيحَ بِحِلِّ قَتْلِ الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. (قَوْلُهُ: وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّبُعِ عُرْفًا) ظَاهِرُ تَخْصِيصِهِ بِالْعُرْفِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا لُغَةً بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَتِمُّ مَقْصُودُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الْخِطَابَ كَانَ مَعَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَخْصِيصٌ مِنْ الشَّرْعِ بِغَيْرِ السَّبُعِ، بَلْ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَلَى مَا سَمِعْته عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ قَوْلِهِ «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا» ، فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَالْأَوْلَى مَنْعُ وُقُوعِهِ عَلَى السِّبَاعِ حَقِيقَةً لُغَةً وَلَفْظُ الْكَلْبِ فِي دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْعَامِّ: أَعْنِي الْمُفْتَرِسَ الضَّارِيَ.
لَا يُقَالُ: ادِّعَاؤُنَا أَنَّهُ فِي كُلِّ السِّبَاعِ حَقِيقَةٌ هُوَ دَعْوَى أَنَّهُ فِي كُلِّ مُفْتَرِسٍ ضَارٍّ حَقِيقَةٌ، وَالْأَفْرَادُ حِينَئِذٍ أَفْرَادُ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْعَامِّ مَجَازًا كَمَا قُلْتُمْ أَوْ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا، وَالِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ عِنْدَ التَّرَدُّدِ وَهُوَ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلِ عَدَمِهِ. وَتَبَادُرُ النَّوْعِ الْمَخْصُوصِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَلْبِ دَلِيلُ عَدَمِهِ، إذْ لَوْ كَانَ لِلْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَمْ يَتَبَادَرْ خُصُوصُ بَعْضِهَا، وَإِذَا تَبَادَرَ خُصُوصُ بَعْضِهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْوَضْعَ كَانَ لِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ لِذَلِكَ وَإِنْ جَازَ عُرُوضُ تَبَادُرِ الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ لِعُرُوضِ شُهْرَةٍ وَغَلَبَةِ اسْتِعْمَالٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الَّذِي يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لَا الْمُجَوَّزَ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَيَتَحَقَّقَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبُعٌ، وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بَلْ الْمَعْرُوفُ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَانْفَرَدَ بِزِيَادَةِ فِيهِ كَبْشٌ، وَالْبَاقُونَ رَوَوْهُ وَلَمْ يَذْكُرُوهَا فِيهِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَيُؤْكَلُ» وَهَذَا دَلِيلُ أَكْلِهِ عِنْدَ الْخَصْمِ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمُصَنِّفُ إنْ اسْتَدَلَّ بِلَفْظِ السَّبُعِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ، وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِلَفْظِ الضَّبُعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ