(وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ الذِّكْرِ وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ) لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْفَلَ مَعَ الْمَارِّينَ مِنْ فَوْقِهَا إنْ كَانَ
(قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ) تَقَدَّمَ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا آنِفًا، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأُمِّ سُلَيْمَانَ.
وَظَاهِرُ الْمَرْوِيَّاتِ مِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى: اللَّهُ أَكْبَرُ، غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ. وَقِيلَ: يَقُولُ أَيْضًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ) وَكَذَا غَيْرُ التَّسْبِيحِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالتَّهْلِيلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَكْبِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذِّكْرُ لَا خُصُوصُهُ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ التَّكْبِيرِ فِي لَفْظِ الرُّوَاةِ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ التَّعْظِيمِ كَمَا قُلْنَا فِي تَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ، فَيَدْخُلُ كُلُّ ذِكْرٍ لَفْظًا لَا مَعْنًى فَقَطْ، لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ لَفْظَ كَبِّرْ اللَّهَ وَنَحْوَهُ إرَادَةُ مَا كَانَ تَعْظِيمًا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَهُ قَالُوا سَبَّحَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ، فَهَذَا الْمُعْتَادُ بِبُعْدِ هَذَا الْحَمْلِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَمْ تَظْهَرْ حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْجَمْرَتَيْنِ، فَإِنْ تَخَايَلَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّغْلِ كَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ مُنْعَدِمٌ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَوْنُ الْوُقُوفِ يَقَعُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الطَّرِيقِ فَيُوجِبَ قَطْعَ سُلُوكِهَا عَلَى النَّاسِ وَشِدَّةَ الزِّحَامِ الْوَاقِفِينَ وَالْمَارِّينَ، وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ، بِخِلَافِهِ فِي بَاقِي الْجِمَارِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ بِمَعْزِلٍ مُنْضَمٍّ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لِمَا ثَبَتَ لَنَا رَفْعُ رِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَيْ لِمَا اشْتَمَلْت عَلَيْهِ رِوَايَتُنَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهَذِهِ عِنَايَةٌ دَعَا إلَيْهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فِي بَحْثِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ، وَقَدَّمْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِقْسَامِهِ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَذْبَحَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُولُ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ: مَنْ لَمْ يَرْمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَرِوَايَةُ هِشَامٍ: إذَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ لَهُ بِهَذَا الطَّوَافِ شَيْءٌ فَكَانَ كَعَدَمِهِ فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ يَتَوَقَّتُ بِالزَّوَالِ فَيَفْعَلُ بَعْدَهُ قَضَاءً فَصَارَ فَوَاتُهُ عَنْ وَقْتِهِ كَفِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ، وَعِنْدَ فِعْلِهِ فِيهِ يَقْطَعُهَا كَذَا عِنْدَ فَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ إحْرَامِهِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَلَا تَلْبِيَةَ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ. وَلَهُمَا أَنَّ الطَّوَافَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ لَكِنْ وَقَعَ بِهِ التَّحَلُّلُ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بِالْجِمَاعِ بَعْدَهُ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ الْإِحْرَامُ قَائِمًا مُطْلَقًا، وَلَمْ تُشْرَعْ التَّلْبِيَةُ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ.
وَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ يَقْطَعُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا إنْ كَانَ مُفْرِدًا لِأَنَّ الذَّبْحَ مُحَلِّلٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ. وَعِنْدَ