وَهَذَا يَصْلُحُ أَمَارَةً لِلْوُجُوبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا.

قَالَ (وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQسَهْوٌ فَإِنَّ كُتُبَهُمْ نَاطِقَةٌ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ذُكِرَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَكَانَ الشَّافِعِيِّ.

وَفِي الْأَسْرَارِ ذُكِرَ عَلْقَمَةُ.

وَجْهُ الرُّكْنِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] قُلْنَا غَايَةُ مَا يُفِيدُ إيجَابَ الْكَوْنِ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالِالْتِزَامِ لِأَجْلِ الذِّكْرِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ بِالذِّكْرِ عِنْدَهُ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِالْكَوْنِ عِنْدَهُ، فَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْمُقَيَّدُ فَيَجِبُ الْقَيْدُ ضَرُورَةً لَا قَصْدًا، فَإِذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ نَفْسَ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَفَى وُجُوبُ الْأَمْرِ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ فَانْتَفَى الرُّكْنِيَّةُ وَالْإِيجَابُ مِنْ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الْإِيجَابَ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى يَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ عَلَى أَصْلِهِمَا، لِأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا الشَّعْبِيُّ، وَقَدْ وَجَدْنَا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ «جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْقِفِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ جَبَلٌ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ: يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِإِفَادَةِ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْقَطْعِيَّةِ.

فَكَيْفَ مَعَ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: رَخَّصَ فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَمَا أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» فَإِنَّ بِذَلِكَ تَنْتَفِي الرُّكْنِيَّةُ لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ، بَلْ إنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ أَصْلَ الْعِبَادَةِ سَقَطَتْ كُلُّهَا أَوْ أُخِّرَتْ، أَمَّا إنْ شَرَعَ فِيهَا فَلَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْكَانِهَا وَكَيْفَ وَلَيْسَتْ هِيَ سِوَى أَرْكَانِهَا؟ فَعِنْدَ عَدَمِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مُسَمَّى تِلْكَ الْعِبَادَةِ أَصْلًا

(قَوْلُهُ وَالْمُزْدَلِفَةُ إلَخْ) وَهِيَ تَمْتَدُّ إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ قَبْلَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِقُزَحَ، قِيلَ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ. وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ لِلْمُزْدَلِفَةِ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ: الْمُزْدَلِفَةُ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَجَمْعٌ. وَالْمَأْزِمَانِ بِوَادِي مُحَسِّرٍ، وَأَوَّلُ مُحَسِّرٍ مِنْ الْقَرْنِ الْمُشْرِفِ مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مِنًى، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِيلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015