الدَّاخِلَةُ عَلَى الصَّبْرِ مِنَ الشُّمُولِ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ هُنَا جَمِيعُ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَنَافِلَةٍ. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ فَقِيلَ إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الصَّبْرَ وَالصَّلَاةَ فَقَدْ يَجُوزُ إِرْجَاعُ الضَّمِيرِ إِلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (?) إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَاخِلًا تَحْتَ الْآخَرِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ وَالشَّعَرَ الْأَسْ ... وَدَ مَا لم يعاص كان جنونا

ولم يقل ما لم يعاصا بَلْ جَعَلَ الضَّمِيرَ رَاجِعًا إِلَى الشَّبَابِ، لِأَنَّ الشَّعْرَ الْأَسْوَدَ دَاخِلٌ فِيهِ وَقِيلَ إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ دُونِ اعْتِبَارِ دُخُولِ الصَّبْرِ تَحْتَهَا لِأَنَّ الصَّبْرَ هُوَ عَلَيْهَا، كَمَا قِيلَ سَابِقًا وَقِيلَ إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الصَّبْرُ مُرَادًا مَعَهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ آكَدَ وَأَعَمَّ تَكْلِيفًا وَأَكْثَرَ ثَوَابًا كَانَتِ الْكِنَايَةُ بِالضَّمِيرِ عَنْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (?) كَذَا قِيلَ: وَقِيلَ إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْمَكْنُوزَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (?) فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ هُنَا إِلَى الْفِضَّةِ وَالتِّجَارَةِ لَمَّا كَانَتِ الْفِضَّةُ أَعَمَّ نَفْعًا وَأَكْثَرَ وُجُودًا، وَالتِّجَارَةُ هي الحاملة على الانقضاض، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَبَيْنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّبْرَ هُنَاكَ جُعِلَ دَاخِلًا تَحْتَ الصَّلَاةِ، وَهُنَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا وَإِنْ كَانَ مُرَادًا وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ الصَّبْرُ وَالصَّلَاةُ، وَلَكِنْ أَرْجَعَ الضَّمِيرَ إِلَى أَحَدِهِمَا اسْتِغْنَاءً بِهِ عَنِ الْآخَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً (?) أَيِ ابْنَ مَرْيَمَ آيَةً وَأُمَّهُ آيَةً. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

وَقَالَ آخَرُ:

لِكُلِّ همّ من الهموم سعة ... والصّبح والمسي لَا فَلَاحَ مَعَهْ

وَقِيلَ رَجَعَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِمَا بَعْدَ تَأْوِيلِهِمَا بِالْعِبَادَةِ وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاسْتَعِينُوا وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا بنو إسرائيل. والكبيرة: الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ. وَالْكَبِيرَةُ: الَّتِي يَكْبُرُ أَمْرُهَا وَيَتَعَاظَمُ شَأْنُهَا عَلَى حَامِلِهَا لِمَا يَجِدُهُ عِنْدَ تَحَمُّلِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَمِنْهُ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ (?) وَالْخَاشِعُ: هُوَ الْمُتَوَاضِعُ، وَالْخُشُوعُ: التَّوَاضُعُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَالْخُشُوعُ: الْإِخْبَاتُ وَالتَّطَامُنُ، وَمِنْهُ الْخُشْعَةُ لِلرَّمْلَةِ الْمُتَطَامِنَةِ وَأَمَّا الْخُضُوعُ: فَاللِّينُ وَالِانْقِيَادُ، وَمِنْهُ خَضَعَتْ بِقَوْلِهَا: إِذَا لَيَّنَتْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْخَاشِعُ الَّذِي يُرَى أَثَرُ الذُّلِّ وَالْخُشُوعِ عَلَيْهِ كَخُشُوعِ الدار بعد الإقواء (?) ، وَمَكَانٌ خَاشِعٌ: لَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ: أَيْ سَكَنَتْ، وَخَشَعَ بِبَصَرِهِ: إِذَا غَضَّهُ، وَالْخُشْعَةُ: قِطْعَةٌ مِنَ الْأَرْضِ رِخْوَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ عَنِ الْخُشُوعِ فَقَالَ: يَا ثَوْرِيُّ أنت تريد أن تكون إماما للناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015