أحد السينين واوا، والأصل قساسسة، فَالْمُرَادُ بِالْقِسِّيسِينَ فِي الْآيَةِ: الْمُتَّبِعُونَ لِلْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ، وَهُوَ إِمَّا عَجَمِيٌّ خَلَطَتْهُ الْعَرَبُ بِكَلَامِهَا، أَوْ عَرَبِيٌّ. وَالرُّهْبَانُ: جَمْعُ رَاهِبٍ كَرُكْبَانٍ وَرَاكِبٍ، وَالْفِعْلُ رَهِبَ اللَّهَ يَرْهَبُهُ: أَيْ خَافَهُ. وَالرَّهْبَانِيَّةُ وَالتَّرَهُّبُ: التَّعَبُّدُ فِي الصَّوَامِعِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ يَكُونُ رُهْبَانٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُجْمَعُ رهبان إذا كان للمفرد: رهابنة وَرَهَابِينُ كَقُرْبَانٍ وَقَرَابِينَ. وَقَدْ قَالَ جَرِيرٌ فِي الجمع:
رهبان مدين لو رأوك تنزّلوا (?)
.....
وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي اسْتِعْمَالِ رُهْبَانٍ مُفْرَدًا:
لَوْ أَبْصَرَتْ رُهْبَانَ دَيْرٍ فِي الْجَبَلِ ... لَانْحَدَرَ الرُّهْبَانُ يسعى ويصل (?)
ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ، بَلْ هُمْ مُتَوَاضِعُونَ، بِخِلَافِ الْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أَيْ تَمْتَلِئُ فَتَفِيضُ، لِأَنَّ الْفَيْضَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الِامْتِلَاءِ، جَعَلَ الْأَعْيُنَ تَفِيضُ، وَالْفَائِضُ: إِنَّمَا هُوَ الدَّمْعُ قَصْدًا لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً ... عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
قَوْلُهُ: مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ مِنْ الْأُولَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْفَيْضِ نَاشِئًا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ تَبْعِيضِيَّةً، وَقُرِئَ: تَرى أَعْيُنَهُمْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. وَقَوْلُهُ:
يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا اسْتِئْنَافٌ مَسُوقٌ لِجَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَا حَالُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ:
يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أَيْ آمَنَّا بِهَذَا الْكِتَابِ النَّازِلِ مِنْ عِنْدِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَبِمَنْ أَنْزَلْتَهُ عَلَيْهِ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِينَ، بِأَنَّهُ حَقٌّ، أَوْ مَعَ الشَّاهِدِينَ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ وَأَنَّهُ رَسُولُكَ إِلَى النَّاسِ. قَوْلُهُ: وَما لَنا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ للاستبعاد وَلَنا متعلق بمحذوف، ولا نُؤْمِنُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ فِي الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيْ شَيْءٌ حَصَلَ لَنَا حَالَ كَوْنِنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ؟ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا انْتِفَاءَ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لَهُ، وَهُوَ الطَّمَعُ فِي إِنْعَامِ اللَّهِ، فَالِاسْتِفْهَامُ وَالنَّفْيُ مُتَوَجِّهَانِ إِلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (?) ، وَالْوَاوَ فِي وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ لِلْحَالِ أَيْضًا بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ:
أَيْ أَيُّ شَيْءٍ حَصَلَ لَنَا؟ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ وَنَحْنُ نَطْمَعُ فِي الدُّخُولِ مَعَ الصَّالِحِينَ، فَالْحَالُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ صَاحِبُهُمَا الضَّمِيرُ فِي لَنا وَعَامِلُهُمَا الْفِعْلُ الْمُقَدَّرُ: أَيْ حَصَلَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحَالُ الثانية من الضمير في