فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ أَحَدُهُمَا:

تَرْغَبُونَ فِيهِنَّ، وقال الآخر: ترغبون عنهن.

[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130]

وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130)

امْرَأَةٌ: مَرْفُوعَةٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، أَيْ: وَإِنْ خَافَتِ امْرَأَةٌ، وَخَافَتْ: بِمَعْنَى: تَوَقَّعَتْ مَا تَخَافُ مِنْ زَوْجِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَيَقَّنَتْ، وَهُوَ خَطَأٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها دَوَامَ النُّشُوزِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْفَرْقُ بَيْنَ النُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ: أَنَّ النُّشُوزَ التَّبَاعُدُ، وَالْإِعْرَاضَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهَا وَلَا يَأْنَسَ بِهَا، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهَا تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ عِنْدَ مَخَافَةِ أَيِّ نُشُوزٍ أَوْ أَيِّ إِعْرَاضٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ الَّذِي سَيَأْتِي، وَظَاهِرُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَالُحُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ، إِمَّا بِإِسْقَاطِ النَّوْبَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ بَعْضِ النَّفَقَةِ، أَوْ بَعْضِ الْمَهْرِ. قَوْلُهُ: أَنْ يُصَالِحَا هَكَذَا قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ:

أَنْ يُصْلِحا وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ أَوْلَى، لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ: أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا قِيلَ: تَصَالَحَ الرَّجُلَانِ أَوِ الْقَوْمُ، لَا أَصْلَحَ. وَقَوْلُهُ: صُلْحاً: مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَحْذُوفُ الزَّوَائِدِ، أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: فَيُصْلِحُ حَالَهُمَا صُلْحًا وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. وَقَوْلُهُ:

بَيْنَهُما ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ لَفْظٌ عَامٌّ يَقْتَضِي: أَنَّ الصُّلْحَ الَّذِي تَسْكُنُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ وَيَزُولُ بِهِ الْخِلَافُ خَيْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَوْ خَيْرٌ مِنَ الْفُرْقَةِ أو من الخصومة، وهذه جملة اعْتِرَاضِيَّةٌ. قَوْلُهُ: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ إِخْبَارٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ: بِأَنَّ الشُّحَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ فِي كُلِّ الْأَنْفُسِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَائِنٌ، وَأَنَّهُ جُعِلَ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ لَهَا لَا يَغِيبُ عَنْهَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ وَالطَّبِيعَةِ، فَالرَّجُلُ يَشِحُّ بِمَا يَلْزَمُهُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَحُسْنِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَشِحُّ عَلَى الرَّجُلِ بِحُقُوقِهَا اللَّازِمَةِ لِلزَّوْجِ، فَلَا تَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا مِنْهَا. وَشُحُّ الْأَنْفُسِ: بُخْلُهَا بِمَا يَلْزَمُهَا أَوْ يَحْسُنُ فِعْلُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَمِنْهُ: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» . قَوْلُهُ: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا أَيْ: تُحْسِنُوا عِشْرَةَ النِّسَاءِ وَتَتَّقُوا مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّشُوزِ والإعراض فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فَيُجَازِيكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَزْوَاجِ بِمَا تَسْتَحِقُّونَهُ. قَوْلُهُ: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ: بِنَفْيِ اسْتِطَاعَتِهِمْ لِلْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا مَيْلَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الطِّبَاعُ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ مَيْلِ النَّفْسِ إِلَى هذه دون هذه، وزيادة فِي الْمَحَبَّةِ وَنُقْصَانِ هَذِهِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ الْخِلْقَةِ، بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَ قُلُوبَهُمْ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْقِيفَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى التَّسْوِيَةِ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ الصَّادِقُ المصدوق صلّى الله عليه وسلم: «اللهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015